إلى مناهج معرفتك والتوفيق لأداء حقوق نعمتك لا نحصى ثناء عليك لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك. (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) صفتان لله فإن أريد بما فيهما من الرحمة ما يختص بالعقلاء من العالمين أو ما يفيض على الكل بعد الخروج إلى طور الوجود من النعم فوجه تأخيرهما عن وصف الربوبية ظاهر وإن أريد ما يعم الكل فى الأطوار كلها حسبما فى قوله تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) فوجه الترتيب أن التربية لا تقتضى المقارنة للرحمة فإيرادهما فى عقبها للإيذان بأنه تعالى متفضل فيها فاعل بقضية رحمته السابقة من غير وجوب عليه وبأنها واقعة على أحسن ما يكون والاقتصار على نعته تعالى بهما فى التسمية لما أنه الأنسب بحال المتبرك المستعين باسمه الجليل والأوفق لمقاصده. (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) صفة رابعة له تعالى وتأخيرها عن الصفات الأول مما لا حاجة إلى بيان وجهه وقرأ أهل الحرمين المحترمين ملك من الملك الذى هو عبارة عن السلطان القاهر والإستيلاء الباهر والغلبة التامة والقدرة على التصرف الكلى فى أمور العامة بالأمر والنهى وهو الأنسب بمقام الإضافة إلى يوم الدين كما فى قوله تعالى (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) وقرىء ملك بالتخفيف وملك بلفظ الماضى ومالك بالنصب على المدح أو الحال وبالرفع منونا ومضافا على أنه خبر مبتدأ محذوف وملك مضافا بالرفع والنصب واليوم فى العرف عبارة عما بين طلوع الشمس وغروبها من الزمان وفى الشرع عما بين طلوع الفجر الثانى وغروب الشمس والمراد ههنا مطلق الوقت والدين الجزاء خيرا كان أو شرا ومنه الثانى فى المثل السائر كما تدين تدان والأول فى بيت الحماسة[ولم يبق سوى العدوان دناهم كما دانوا وأما الأول فى الأول والثانى فى الثانى فليس بجزاء حقيقة وإنما سمى به مشاكلة أو تسمية للشىء باسم مسببه كما سميت إرادة القيام والقراءة باسمهما فى قوله عز اسمه (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) وقوله تعالى (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) ولعله هو السر فى بناء المفاعلة من الأفعال التى تقوم أسبابها بمفعولاتها نحو عاقبت اللص ونظائره فإن قيام السرقة التى هى سبب للعقوبة باللص نزل منزلة قيام المسبب به وهى العقوبة فصار كأنها قامت بالجانبين وصدرت عنهما فبنيت صيغة المفاعلة الدالة على المشاركة بين الإثنين وإضافة اليوم إليه لأدنى ملابسة كإضافة سائر الظروف الزمانية إلى ما وقع فيها من الحوادث كيوم الأحزاب وعام الفتح وتخصيصه من بين سائر ما يقع فيه من القيامة والجمع والحساب لكونه أدخل فى الترغيب والترهيب فإن ما ذكر من القيامة وغيرها من مبادىء الجزاء ومقدماته وإضافة مالك إلى اليوم من إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على نهج الإتساع المبنى على إجرائه مجرى المفعول به مع بقاء المعنى على حاله كقولهم يا سارق الليلة أهل الدار أى مالك أمور العالمين كلها فى يوم الدين وخلو إضافته عن إفادة التعريف المسوغ لوقوعه صفة للمعرفة إنما هو إذا أريد به الحال أو الإستقبال وأما عند إرادة الإستمرار الثبوتى كما هو اللائق بالمقام فلا ريب فى كونها إضافة حقيقية كإضافة الصفة المشبهة إلى غير معمولها فى قراءة ملك يوم الدين ويوم الدين وإن لم يكن مستمرا فى جميع الأزمنة إلا أنه لتحقق وقوعه وبقائه أبدا أجرى مجرى المتحقق المستمر ويجوز أن يراد به الماضى بهذا الاعتبار كما يشهد به القراءة على صيغة الماضى وما ذكر من إجراء الظرف مجرى المفعول به إنما هو من حيث المعنى لا من حيث الإعراب حتى يلزم كون الإضافة لفظية ألا ترى أنك تقول فى مالك عبده