(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)(١٤٤)
____________________________________
أن يضيع ثباتكم على الإيمان بل شكر صنيعكم وأعد لكم الثواب العظيم وقيل إيمانكم بالقبلة المنسوخة وصلاتكم إليها لما روى أنه عليهالسلام لما توجه إلى الكعبة قالوا كيف حال إخواننا الذين مضوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فنزلت واللام فى ليضيع إما متعلقة بالخبر المقدر لكان كما هو رأى البصرية وانتصاب الفعل بعدها بأن المقدرة أى ما كان الله مريدا أو متصديا لأن يضيع الخ ففى توجيه النفى إلى إرادة الفعل تأكيد ومبالغة ليس فى توجهه إلى نفسه وإما مزيدة للتأكيد ناصبة للفعل بنفسها كما هو رأى الكوفية ولا يقدح فى ذلك زيادتها كما لا يقدح زيادة حروف الجر فى عملها وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) تحقيق وتقرير للحكم وتعليل له فإن اتصافه عزوجل بهما يقتضى لا محالة أن لا يضيع أجورهم ولا يدع ما فيه صلاحهم والباء متعلقة برءوف وتقديمه على رحيم مع كونه أبلغ منه لما مر فى وجه تقديم الرحمن على الرحيم وقيل الرحمة أكثر من الرأفة فى الكمية والرأفة أقوى منها فى الكيفية لأنها عبارة عن إيصال النعم الصافية عن الآلام والرحمة إيصال النعمة مطلقا وقد يكون مع الألم كقطع العضو المتآكل وقرىء رءوف بغير مدكندس (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) أى تردده وتصرف نظرك فى جهتها تطلعا للوحى وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يقع فى روعه ويتوقع من ربه عزوجل أن يحوله إلى الكعبة لأنها قبلة إبراهيم وأدعى للعرب إلى الإيمان لأنها مفخرتهم ومزارهم ومطافهم ولمخالفة اليهود فكان يراعى نزول جبريل بالوحى بالتحويل (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً) الفاء الدلالة على سببية ما قبلها لما بعدها وهى فى الحقيقة داخلة على قسم محذوف يدل عليه اللام أى فو الله لنولينك أى لنعطينكها ولنمكننك من استقبالها من قولك وليته كذا أى صيرته واليا له أو لنجعلنك تلى جهتها أو لنحولنك على أن نصب قبلة بحذف الجار أى إلى قبلة وقيل هو متعد إلى مفعولين (تَرْضاها) تحبها وتشتاق إليها لمقاصد دينية وافقت مشيئته تعالى وحكمته (فَوَلِّ وَجْهَكَ) الفاء لتفريع الأمر بالتولية على الوعد الكريم وتخصيص التولية بالوجه لما أنه مدار التوجه ومعياره وقيل المراد به كل البدن أى فاصرفه (شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أى نحوه وهو نصب على الظرفية من ول أو على نزع الخافض أو على أنه مفعول ثان له وقيل الشطر فى الأصل اسم لما انفصل من الشىء ودار شطور إذا كانت منفصلة عن الدور ثم استعمل لجانبه وإن لم ينفصل كالقطر والحرام المحرم أى محرم فيه القتال أو ممنوع من الظلمة أن يتعرضوا له وفى ذكر المسجد الحرام دون الكعبة إيذان بكفاية مراعاة الجهة لأن فى مراعاة العين من البعيد حرجا عظيما بخلاف القريب. روى عن البراء بن عازب أن نبى الله صلىاللهعليهوسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشرة شهرا ثم وجه إلى الكعبة وقيل كان ذلك فى رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين ورسول الله صلىاللهعليهوسلم فى