(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(١٤٧)
____________________________________
متابعة الهوى فإن من ليس من شأنه ذلك إذا نهى عنه ورتب على فرض وقوعه ما رتب من الانتظام فى سلك الراسخين فى الظلم فما ظن من ليس كذلك وإذن حرف جواب وجزاء توسطت بين اسم إن وخبرها لتقرير ما بينهما من النسبة إذ كان حقها أن تتقدم أو تتأخر فلم تتقدم لئلا يتوهم أنها لتقرير النسبة التى بين الشرط وجوابه المحذوف لأن المذكور جواب القسم ولم تتأخر لرعاية الفواصل ولقد بولغ فى التأكيد من وجوه تعظيما للحق المعلوم وتحريضا على اقتفائه وتحذيرا عن متابعة الهوى واستعظاما لصدور الذنب من الأنبياء عليهمالسلام (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أى علماءهم إذ هم العمدة فى إيتائه ووضع الموصول موضع المضمر مع قرب العهد للإشعار بعلية ما فى حيز الصلة للحكم والضمير المنصوب فى قوله تعالى (يَعْرِفُونَهُ) للرسول صلىاللهعليهوسلم والالتفات إلى الغيبة للإيذان بأن المراد ليس معرفتهم له عليهالسلام من حيث ذاته ونسبه الزاهر بل من حيث كونه مسطورا فى الكتاب منعوتا فيه بالنعوت التى من جملتها أنه عليهالسلام يصلى إلى القبلتين كأنه قيل الذين آتيناهم الكتاب يعرفون من وصفناه فيه وبهذا يظهر جزالة النظم الكريم وقيل هو إضمار قبل الذكر للإشعار بفخامة شأنه عليه الصلاة والسلام أنه علم معلوم بغير إعلام فتأمل وقيل الضمير للعلم أو سببه الذى هو الوحى أو القرآن أو التحويل ويؤيد الأول قوله عزوجل (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) أى يعرفونه عليه الصلاة والسلام بأوصافه الشريفة المكتوبة فى كتابهم ولا يشتبه عليهم كما لا يشتبه أبناؤهم وتخصيصهم بالذكر دون ما يعم البنات لكونهم أعرف عندهم منهن بسبب كونهم أحب إليهم عن عمر رضى الله عنه أنه سأل عبد الله بن سلام رضى الله عنه عن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فقال أنا أعلم به منى بابنى قال ولم قال لأنى لست أشك فيه أنه نبى فأما ولدى فلعل والدته خانت فقبل عمر رأسه رضى الله عنهما (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) هم الذين كابروا وعاندوا الحق والباقون هم الذين آمنوا منهم فإنهم يظهرون الحق ولا يكتمونه وأما الجهلة منهم فليست لهم معرفة بالكتاب ولا بما فى تضاعيفه فما هم بصدد الإظهار ولا بصدد الكتم وإنما كفرهم على وجه التقليد (الْحَقُّ) بالرفع على أنه مبتدأ وقوله تعالى (مِنْ رَبِّكَ) خبره واللام للعهد والإشارة إلى ما عليه النبى صلىاللهعليهوسلم أو إلى الحق الذى يكتمونه أو للجنس والمعنى أن الحق ما ثبت أنه من الله تعالى كالذى أنت عليه لا غيره كالذى عليه أهل الكتاب أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هو الحق وقوله تعالى (مِنْ رَبِّكَ) إما حال أو خبر بعد خبر وقرىء بالنصب على أنه بدل من الأول أو مفعول ليعلمون وفى التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهعليهالسلام من إظهار اللطف به عليهالسلام ما لا يخفى (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) أى الشاكين فى كتمانهم الحق عالمين به وقيل فى أنه من ربك وليس المراد به نهى الرسول صلىاللهعليهوسلم عن الشك فيه لأنه غير متوقع