(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(١٧٧)
____________________________________
(وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) عبارة عن غضبه العظيم عليهم وتعريض بحرمانهم ما أتيح للمؤمنين من فنون الكرامات السنية والزلفى (وَلا يُزَكِّيهِمْ) لا يثنى عليهم (وَلَهُمْ) مع ما ذكر (عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم (أُولئِكَ) إشارة إلى ما أشير إليه بنظيره بالاعتبار المذكور خاصة لا مع ما يتلوه من أحوالهم الفظيعة إذ لا دخل لها فى الحكم الذى يراد إثباته ههنا فإن المقصود تصوير ما باشروه من المعاملة بصورة قبيحة تنفر منها الطباع ولا يتعاطاها عاقل أصلا ببيان حقيقة ما نبذوه وإظهار كنه ما أخذوه وإبداء فظاعة تبعاته وهو مبتدأ خبره الموصول أى أولئك المشترون بكتاب الله عزوجل ثمنا قليلا ليسوا بمشترين للثمن وإن قل بل هم (الَّذِينَ اشْتَرَوُا) بالنسبة إلى الدنيا (الضَّلالَةَ) التى ليست مما يمكن أن يشترى قطعا (بِالْهُدى) الذى ليس من قبيل ما يبذل بمقابلة شىء وإن جل (وَالْعَذابَ) أى اشتروا بالنظر إلى الآخرة العذاب الذى لا يتوهم كونه مما يشترى (بِالْمَغْفِرَةِ) التى يتنافس فيها المتنافسون (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) تعجيب من حالهم الهائلة التى هى ملابستهم بما يوجب النار إيجابا قطعيا كأنه عينها. وما عند سيبويه نكرة تامة مفيدة لمعنى التعجب مرفوعة بالابتداء وتخصصها كتخصص شرفى شر أهر ذا ناب خبرها ما بعدها أى شىء ما عظيم جعلهم صابرين على النار وعند الفراء استفهامية وما بعدها خبرها أى أى شىء أصبرهم على النار وقيل هى موصولة وقيل موصوفة بما بعدها والخبر محذوف أى الذى أصبرهم على النار أو شىء أصبرهم على النار أمر عجيب فظيع (ذلِكَ) العذاب (بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ) أى جنس الكتاب (بِالْحَقِّ) أى ملتبسا به فلا جرم يكون من يرفضه بالتكذيب والكتمان ويركب متن الجهل والغواية مبتلى بمثل هذا من أفانين العذاب (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ) أى فى جنس الكتاب الإلهى بأن آمنوا ببعض كتب الله تعالى وكفروا ببعضها أو فى التوراة بأن آمنوا ببعض آياتها وكفروا ببعض كالآيات المغيرة المشتملة على أمر بعثة النبى صلىاللهعليهوسلم ونعوته الكريمة فمعنى الاختلاف التخلف عن الطريق الحق أو الاختلاف فى تأويلها أو فى القرآن بأن قال بعضهم إنه سحر وبعضهم إنه شعر وبعضهم أساطير الأولين كما حكى عن المفسرين (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) عن الحق والصواب مستوجب لأشد العذاب (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)