(كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٢١٣)
____________________________________
على استمرار السخرية منهم وهم فقراء المؤمنين كبلال وعمار وصهيب رضى الله عنهم كانوا يسترذلونهم ويستهزءون بهم على رفضهم الدنيا وإقبالهم على العقبى ومن ابتدائية فكأنهم جعلوا السخرية مبتدأة منهم (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا) هم الذين آمنوا بعينهم وإنما ذكروا بعنوان التقوى للإيذان بأن إعراضهم عن الدنيا للاتقاء عنها لكونها مخلة بتبتلهم إلى جناب القدس شاغلة عنه (فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) لأنهم فى أعلى عليين وهم فى أسفل سافلين أو لأنهم فى أوج الكرامة وهم فى حضيض الذل والمهانة أو لأنهم يتطاولون عليهم فى الآخرة فيسخرون منهم كما سخروا منهم فى الدنيا والجملة معطوفة على ما قبلها وإيثار الاسمية للدلالة على دوام مضمونها (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) أى فى الدارين (بِغَيْرِ حِسابٍ) بغير تقدير فيوسع فى الدنيا استدراجا تارة وابتلاء أخرى (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) متفقين على كلمة الحق ودين الإسلام وكان ذلك بين آدم وإدريس أو نوح عليهمالسلام أو بعد الطوفان (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) أى فاختلفوا فبعث الخ وهى قراءة ابن مسعود رضى الله عنه وقد حذف تعويلا على ما يذكر عقيبه (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) عن كعب الذى علمته من عدد الأنبياء عليهمالسلام مائة وأربعة وعشرون ألفا والمرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر والمذكور فى القرآن ثمانية وعشرون وقيل كان الناس أمة واحدة متفقة على الكفر والضلال فى فترة إدريس أو نوح فبعث الله النبيين فاختلفوا عليهم والأول هو الأنسب بالنظم الكريم (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) أى جنس الكتاب أو مع كل واحد منهم ممن له كتاب كتابه الخاص به لا مع كل واحد منهم على الإطلاق إذ لم يكن لبعضهم كتاب وإنما كانوا يأخذون بكتب من قبلهم وعموم النبيين لا ينافى خصوص الضمير العائد إليه بمعونة المقام (بِالْحَقِّ) حال من الكتاب أى ملتبسا بالحق أو متعلق بأنزل كقوله عز وعلا (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (لِيَحْكُمَ) أى الكتاب أو الله سبحانه وتعالى أو كل واحد من النبيين (بَيْنَ النَّاسِ) أى المذكورين والإظهار فى موضع الإضمار لزيادة التعيين (فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) اى فى الحق الذى اختلفوا فيه أو فيما التبس عليهم (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ) أى فى الحق أو فى الكتاب المنزل ملتبسا به والواو حالية (إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) أى الكتاب المنزل لإزالة الاختلاف وإزاحة الشقاق والتعبير عن الإنزال بالإيتاء للتنبيه من أول الأمر على كمال تمكنهم من الوقوف على ما فى تضاعيفه من الحق فإن الإنزال لا يفيد تلك الفائدة أى عكسوا الأمر حيث جعلوا ما أنزل لإزالة الاختلاف سببا لاستحكامه ورسوخه (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) أى رسخت فى عقولهم ومن متعلقة بمحذوف يدل عليه الكلام أى فاختلفوا وما اختلف فيه الخ وقيل بالملفوظ بناء على عدم منع إلا عنه كما فى قولك ما قام إلا زيد يوم