(سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٢١٢)
____________________________________
كأنهم طالبون لها مترقبون لوقوعها (فِي ظُلَلٍ) جمع ظلة كقلل فى جمع قلة وهى ما أظلك وقرىء فى ظلال كقلال فى جمع قلة (مِنَ الْغَمامِ) أى السحاب الأبيض وإنما أتاهم العذاب فيه لما أنه مظنة الرحمة فإذا أتى منه العذاب كان أفظع وأقطع للمطامع فإن إتيان الشر من حيث لا يحتسب صعب فكيف بإتيانه من حيث يرجى منه الخير (وَالْمَلائِكَةُ) عطف على الاسم الجليل أى ويأتيهم الملائكة فإنهم وسائط فى إتيان أمره تعالى بل هم الآتون ببأسه على الحقيقة وتوسيط الظرف بينهما للإيذان بأن الآتى أو لا من جنس ما يلابس الغمام ويترتب عليه عادة وأما الملائكة وإن كان إتيانهم مقارنا لما ذكر من الغمام لكن ذلك ليس بطريق الاعتياد وقرىء بالجر عطفا على ظلل أو الغمام (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أى أتم أمر إهلاكهم وفرغ منه وهو عطف على يأتيهم داخل فى حيز الانتظار وإنما عدل إلى صيغة الماضى دلالة على تحققه فكأنه قد كان أو جملة مستأنفة جىء بها إنباء عن وقوع مضمونها وقرىء وقضاء الأمر عطفا على الملائكة (وَإِلَى اللهِ) لا إلى غيره (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) بالتأنيث على البناء للمفعول من الرجع وقرىء بالتذكير وعلى البناء للفاعل بالتأنيث من الرجوع (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) الخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم أو لكل أحد من أهل الخطاب والمراد بالسؤال تبكيتهم وتقريعهم بذلك وتقرير لمجىء البينات (كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) معجزة ظاهرة على أيدى الأنبياء عليهمالسلام وآية ناطقة بحقية الإسلام المأمور بالدخول فيه وكم خبرية أو استفهامية مقررة ومحلها النصب على المفعولية أو الرفع بالابتداء على حذف العائد من الخبر وآية مميزها (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ) التى هى آياته الباهرة فإنها سبب للهدى الذى هو أجل النعم وتبديلها جعلها سببا للضلالة وإزدياد الرجس أو تحريفها وتأويلها الزائغ (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ) ووصلت إليه وتمكن من معرفتها والتصريح بذلك مع أن التبديل لا يتصور قبل المجىء للإشعار بأنهم قد بدلوها بعد ما وقفوا على تفصيلها كما فى قوله عزوجل (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) قيل تقديره فبدلوها ومن يبدل وإنما حذف للإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح به لظهوره (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) تعليل للجواب كأنه قيل ومن يبدل نعمة الله عاقبه أشد عقوبة فإنه شديد العقاب وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) أى حسنت فى أعيانهم وأشربت محبتها فى قلوبهم حتى تهالكوا عليها وتهافتوا فيها معرضين عن غيرها والتزيين من حيث الخلق والإيجاد مستند إلى الله سبحانه كما يعرب عنه القراءة على البناء للفاعل إذ ما من شىء إلا وهو خالقه وكل من الشيطان والقوى الحيوانية وما فى الدنيا من الأمور البهية والأشياء الشهية مزين بالعرض (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) عطف على زين وإيثار صيغة الاستقبال للدلالة