(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩) هَلْيَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)(٢١٠)
____________________________________
لا أنفعكم إن كنت معكم ولا أضركم إن كنت عليكم فخلونى وما أنا عليه وخذوا مالى فقبلوا منه ماله فأتى المدينة فيشرى حينئذ بمعنى يشترى لجريان الحال على صورة الشرى (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) ولذلك يكلفهم التقوى ويعرضهم للثواب والجملة اعتراض تذييلى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ) أى الاستسلام والطاعة وقيل الإسلام وقرىء بفتح السين وهى لغة فيه وبفتح اللام أيضا وقوله تعالى (كَافَّةً) حال من الضمير فى ادخلوا أو من السلم أو منهما معا كما فى قوله[خرجت بها تمشى تجروراءنا على أثرينا ذيل مرط مرجل] وهى فى الأصل اسم لجماعة تكف مخالفها ثم استعملت فى معنى جميعا وتاؤها ليست للتأنيث حتى يحتاج إلى جعل السلم مؤنثا مثل الحرب كما فى قوله عزوجل (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) وفى قوله[السلم تأخذ منها ما رضيت به والحرب يكفيك من أنفاسها جرع] وإنما هى للنقل كما فى عامة وخاصة وقاطبة والمعنى استسلموا لله تعالى وأطيعوه جملة ظاهرا وباطنا والخطاب للمنافقين أو ادخلوا فى الإسلام بكليته ولا تخلطوا به غيره والخطاب لمؤمنى أهل الكتاب فإنهم كانوا يراعون بعض أحكام دينهم القديم بعد إسلامهم أو فى شرائع الله تعالى كلها بالإيمان بالأنبياء عليهمالسلام والكتب جميعا والخطاب لأهل الكتاب كلهم ووصفهم بالإيمان إما على طريقة التغليب وإما بالنظر إلى إيمانهم القديم أو فى شعب الإسلام وأحكامه كلها فلا يخلوا بشىء منها والخطاب للمسلمين وإنما خوطب أهل الكتاب بعنوان الإيمان مع أنه لا يصح الإيمان إلا بما كلفوه الآن إيذانا بأن ما يدعونه لا يتم بدونه (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) بالتفرق والتفريق أو بمخالفة ما أمرتم به (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ظاهر العداوة أو مظهر لها وهو تعليل للنهى أو الانتهاء (فَإِنْ زَلَلْتُمْ) أى عن الدخول فى السلم وقرىء بكسر اللام وهى لغة فيه (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ) الآيات (الْبَيِّناتُ) والحجج القطعية الدالة على حقيته الموجبة للدخول فيه (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب على أمره لا يعجزه الانتقام منكم (حَكِيمٌ) لا يترك ما تقتضيه الحكمة من مؤاخذة المجرمين المستعصين على أوامره (هَلْ يَنْظُرُونَ) استفهام إنكارى فى معنى النفى أى ما ينتظرون بما يفعلون من العناد والمخالفة فى الامتثال بما أمروا به والانتهاء عما نهوا عنه (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) أى أمره وبأسه أو يأتيهم الله بأمره وبأسه فحذف المأتى به لدلالة الحال عليه والالتفات إلى الغيبة للإيذان بأن سوء صنيعهم موجب للإعراض عنهم وحكاية جنايتهم لمن عداهم من أهل الإنصاف على طريقة المباثة وإيراد الانتظار للإشعار بأنهم لانهما كهم فيما هم فيه من موجبات العقوبة