(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ)(٢٥١)
____________________________________
مستقبل للدلالة على تقرره وتحققه (وَلَمَّا بَرَزُوا) أى ظهر طالوت ومن معه من المؤمنين وصاروا إلى براز من الأرض فى موطن الحرب (لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) وشاهدوا ما هم عليه من العدد والعدد وأيقنوا أنهم غير مطيقين بهم عادة (قالُوا) أى جميعا عند تقوى قلوب الفريق الأول منهم بقول الفريق الثانى متضرعين إلى الله تعالى مستعينين به (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) على مقاساة شدائد الحرب واقتحام موارده الصعبة الضيقة وفى التوسل بوصف الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال وإيثار الإفراغ المعرب عن الكثرة وتنكير الصبر المفصح عن التفخيم من الجزالة ما لا يخفى (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) فى مداحض القتال ومزال النزال وثبات القدم عبارة عن كمال القوة والرسوخ عند المقارعة وعدم التزلزل وقت المقاومة لا مجرد التقرر فى حيز واحد (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) بقهرهم وهزمهم ووضع الكافرين فى موضع الضمير العائد إلى جالوت وجنوده للإشعار بعلة النصر عليهم ولقد راعوا فى الدعاء ترتيبا بديعا حيث قدموا سؤال إفراغ الصبر الذى هو ملاك الأمر ثم سؤال تثبيت القدم المتفرع عليه ثم سؤال النصر الذى هو الغاية القصوى (فَهَزَمُوهُمْ) أى كسروهم بلا مكث (بِإِذْنِ اللهِ) بنصره وتأييده إجابة لدعائهم وإيثار هذه الطريقة على طريقة قوله عزوجل (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا) الخ للمحافظة على مضمون قولهم غلبت فئة كثيرة بإذن الله (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ) كان أيشى أبو داود فى عسكر طالوت معه ستة من بنيه وكان داود عليهالسلام سابعهم وكان صغيرا يرعى الغنم فأوحى الله تعالى إلى نبيهم أنه الذى يقتل جالوت فطلبه من أبيه فجاء وقد مر فى طريقه بثلاثة أحجار قال له كل منها احملنا فإنك بنا تقتل جالوت فحملها فى مخلاته قيل لما أبطأ على أبيه خبر إخوته فى المصاف أرسل داود إليهم ليأتيه بخبرهم فأتاهم وهم فى القراع وقد برز جالوت بنفسه إلى البراز ولا يكاد يبارزه أحد وكان ظله ميلا فقال داود لأخوته أما فيكم من يخرج إلى هذا الأقلف فزجروه فنحا ناحية أخرى ليس فيها إخوته وقد مر به طالوت وهو يحرض الناس على القتال فقال له داود ما تصنعون بمن يقتل هذا الأقلف قال طالوت أنكحه بنتى وأعطيه شطر مملكتى فبرز له داود فرماه بما معه من الأحجار بالمقلاع فأصابه فى صدره فنفذ الأحجار منه وقتلت بعده ناسا كثيرا وقيل إنما كلمته الأحجار عند بروزه لجالوت فى المعركة فأنجز له طالوت ما وعده وقيل إنه حسده وأخرجه من مملكته ثم ندم على ما صنعه فذهب يطلبه إلى أن قتل وملك داود عليهالسلام وأعطى النبوة وذلك قوله تعالى (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أى ملك بنى إسرائيل فى مشارق الأرض المقدسة ومغاربها (وَالْحِكْمَةَ) أى النبوة ولم يجتمع فى بنى إسرائيل الملك والنبوة قبله إلا له بل كان الملك فى سبط والبنوة فى سبط