(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)(٢٦٦)
____________________________________
الوابل والمراد بالضعف المثل وقيل أربعة أمثال ونصبه على الحال من أكلها أى مضاعفا (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ) أى فطل يكفيها لجودتها وكرم منبتها ولطافة هوائها وقيل فيصيبها طل وهو المطر الصغير القطر وقيل فالذى يصيبها طل والمعنى أن نفقات هؤلاء زاكية عند الله تعالى لا تضيع بحال وإن كانت تتفاوت باعتبار ما يقارنها من الأحوال ويجوز أن يعتبر التمثيل بين حالهم باعتبار ما صدر عنهم من النفقة الكثيرة والقليلة وبين الجنة المعهودة باعتبار ما أصابها من المطر الكثير واليسير فكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكلها فكذلك نفقتهم جلت أو قلت بعد أن يطلب بها وجه الله تعالى زاكية زائدة فى زلفاهم وحسن حالهم عند الله (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) لا يخفى عليه شىء منه وهو ترغيب فى الإخلاص مع تحذير من الرياء ونحوه (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) الود حب الشىء مع تمنيه ولذلك يستعمل استعمالهما والهمزة لإنكار الوقوع كما فى قوله أأضرب أبى لا لإنكار الواقع كما فى قولك أتضرب أباك على أن مناط الإنكار ليس جميع ما تعلق به الود بل إنما هو إصابة الإعصار وما يتبعها من الاحتراق (أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) وقرىء جنات (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) أى كائنة منهما على أن يكون الأصل والركن فيها هذين الجنسين الشريفين الجامعين لفنون المنافع والباقى من المستتبعات لا على أن لا يكون فيها غيرهما كما ستعرفه والجنة تطلق على الأشجار الملتفة المتكاثفة قال زهير[كأن عينى فى غربى مفتلة من النواضح تسفى جنة سحقا] وعلى الأرض المشتملة عليها والأول هو الأنسب بقوله عزوجل (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)؟؟؟ وعلى الثانى لابد من تقدير مضاف أى من تحت أشجارها وكذا لابد من جعل إسناد الاحتراق إليها فيما يأتى مجازيا والجملة فى محل الرفع على أنها صفة جنة كما أن قوله تعالى (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) كذلك أو فى محل النصب على أنها حال منها لأنّها موصوفة (لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) الظرف الأول خبر والثانى حال والثالث مبتدأ أى صفة للمبتدأ قائمة مقامه أى له رزق من كل الثمرات كما فى قوله تعالى (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) أى وما منا أحد إلا له الخ وليس المراد بالثمرات العموم بل إنما هو التكثير كما فى قوله تعالى (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) أى كبر السن الذى هو مظنة شدة الحاجة إلى منافعها ومئنة كمال العجز عن تدارك أسباب المعاش والواو حالية أى وقد أصابه الكبر (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) حال من الضمير فى أصابه أى أصابه الكبر والحال أن له ذرية صغارا لا يقدرون على الكسب وترتيب مبادى المعاش وقرىء ضعاف (فَأَصابَها إِعْصارٌ) أى ريح عاصفة تستدير فى الأرض ثم تنعكس منها ساطعة إلى السماء على هيئة العمود (فِيهِ نارٌ) شديدة (فَاحْتَرَقَتْ) عطف على فأصابها وهذا كما ترى تمثيل لحال من يعمل أعمال البر والحسنات ويضم إليها ما يحبطها من القوادح ثم يجدها يوم القيامة عند كمال حاجته إلى ثوابها هباء منثورا فى التحسر