(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٢٦٨)
____________________________________
والتأسف عليها (كَذلِكَ) توحيد الكاف مع كون المخاطب جمعا قد مر وجهه مرارا أى مثل ذلك البيان الواضح الجارى فى الظهور مجرى الأمور المحسوسة (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) كى تتفكروا فيها وتعتبروا بما فيها من العبر وتعملوا بموجبها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) بيان لحال ما ينفق منه إثر بيان أصل الإنفاق وكيفيه أى أنفقوا من حلال ما كسبتم وجياده لقوله تعالى (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أى من طيبات ما أخرجنا لكم من الحبوب والثمار والمعادن فحذف لدلالة ما قبله عليه (وَلا تَيَمَّمُوا) بفتح التاء أصله ولا تتيمموا وقرىء بضمها وقرىء ولا تأمموا والكل بمعنى القصد أى لا تقصدوا (الْخَبِيثَ) أى الردىء الخسيس وهو كالطيب من الصفات الغالبة التى لا تذكر موصوفاتها (مِنْهُ تُنْفِقُونَ) الجار متعلق بتنفقون والضمير للخبيث والتقديم للتخصيص والجملة حال من فاعل تيمموا أى لا تقصدوا الخبيث قاصرين الإنفاق عليه أو من الخبيث أى مختصا به الإنفاق وأياما كان فالتخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطونه من إنفاق الخبيث خاصة لا لتسويغ إنفاقه مع الطيب عن ابن عباس رضى الله عنهما أنهم كانوا يتصدقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه وقيل متعلق بمحذوف وقع حالا من الخبيث والضمير للمال المدلول عليه بحسب المقام أو للموصولين على طريقة قوله [كأنه فى الجلد توليع البهق] أو للثانى وتخصيصه بذلك لما أن التفاوت فيه أكثر وتنفقون حال من الفاعل المذكور أى ولا تقصدوا الخبيث كائنا من المال أو مما كسبتم وما أخرجنا لكم أو مما أخرجنا لكم منفقين إياه وقوله تعالى (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) حال على كل حال من واو تنفقون أى والحال أنكم لا تأخذونه فى معاملاتكم فى وقت من الأوقات أو بوجه من الوجوه (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) أى إلا وقت إغماضكم فيه أو إلا بإغماضكم فيه وهو عبارة عن المسامحة بطريق الكناية أو الاستعارة يقال أغمض بصره إذا غضه وقرىء على البناء للمفعول على معنى إلا أن تحملوا على الإغماض وتدخلوا فيه أو توجدوا مغمضين وقرىء تغمضوا وتغمضوا بضم الميم وكسرها وقيل تم الكلام عند قوله تعالى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) ثم استؤنف فقيل على طريقة التوبيخ والتقريع منه تنفقون والحال أنكم لا تأخذونه إلا إذا أغمضتم فيه ومآله الاستفهام الإنكارى فكأنه قيل أمنه تنفقون الخ (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ) عن إنفاقكم وإنما يأمركم به لمنفعتكم وفى الأمر بأن يعلموا ذلك مع ظهور علمهم به توبيخ لهم على ما يصنعون من إعطاء الخبيث وإيذان بأن ذلك من آثار الجهل بشأنه تعالى فإن إعطاء مثله إنما يكون عادة عند اعتقاد المعطى أن الآخذ محتاج إلى ما يعطيه بل مضطر إليه (حَمِيدٌ) مستحق للحمد على نعمه العظام وقيل حامد بقبول الجيد والإثابة عليه (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) الوعد هو الإخبار بما سيكون من جهة المخبر مترتبا