حيث كانت من الأمور الغيبية التى لا يوقف عليها إلا من جهة العليم الخبير كان الإيمان بها مصداقا لما ذكر فى صدر السورة الكريمة من الإيمان بالغيب وأما الإيمان بكتبه تعالى فإشارة إلى ما فى قوله تعالى (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) هذا هو اللائق بشأن التنزيل والحقيق بمقداره الجليل وقد جوز أن يكون قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ) معطوفا على (الرَّسُولُ) فيوقف عليه والضمير الذى عوض عنه التنوين راجع إلى المعطوفين معا كأنه قيل آمن الرسول والمؤمنون بما أنزل إليه من ربه ثم فصل ذلك وقيل كل واحد من الرسول والمؤمنين آمن بالله الخ خلا أنه قدم المؤمن به على المعطوف اعتناء بشأنه وإيذانا بأصالته عليهالسلام فى الإيمان به ولا يخفى أنه مع خلوه عما فى الوجه الأول من كمال إجلال شأنه عليهالسلام وتفخيم إيمانه مخل بجزالة النظم الكريم لأنه إن حمل كل من الإيمانين على ما يليق بشأنه عليهالسلام من حيث الذات ومن حيث التعلق بالتفاصيل استحال إسنادهما إلى غيره عليهالسلام وضاع التكرير وإن حملا على ما يليق بشأن آحاد الأمة كان ذلك حطا لرتبته العلية عليهالسلام وأما حملهما على ما يليق بكل واحد ممن نسبا إليه من الآحاد ذاتا وتعلقا بأن يحملا بالنسبة إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم على الإيمان العيانى المتعلق بجميع التفاصيل وبالنسبة إلى آحاد الأمة على الإيمان المكتسب من جهته عليهالسلام اللائق بحالهم فى الإجمال والتفصيل فاعتساف بين ينبغى تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله وقوله تعالى (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) فى حيز النصب بقول مقدر على صيغة الجمع رعاية لجانب المعنى منصوب على أنه حال من ضمير آمن أو مرفوع على أنه خبر آخر لكل أى يقولون لا نفرق بينهم بأن نؤمن ببعض منهم ونكفر بآخرين بل نؤمن بصحة رسالة كل واحد منهم قيدوا به إيمانهم تحقيقا للحق وتخطئة لأهل الكتابين حيث أجمعوا على الكفر بالرسول صلىاللهعليهوسلم واستقلت اليهود بالكفر بعيسى عليهالسلام أيضا على أن مقصودهم الأصلى إبراز إيمانهم بما كفروا به من رسالته عليهالسلام لا إظهار موافقتهم لهم فيما آمنوا به وهذا كما ترى صريح فى أن القائلين آحاد المؤمنين خاصة إذ لا يمكن أن يسند إليه عليهالسلام أن يقول لا أفرق بين أحد من رسله وهو يريد به إظهار إيمانه برسالة نفسه وتصديقه فى دعواها وعدم التعرض لنفى التفريق بين الكتب لاستلزام المذكور إياه وإنما لم يعكس مع تحقق التلازم من الطرفين لما أن الأصل فى تفريق المفرقين هو الرسل وكفرهم بالكتب متفرع على كفرهم بهم وقرىء بالياء على إسناد الفعل إلى كل وقرىء لا يفرقون حملا على المعنى كما فى قوله تعالى (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) فالجملة نفسها حال من الضمير المذكور وقيل خبر ثان لكل كما قيل فى القول المقدر فلا بد من اعتبار الكلية بعد النفى دون العكس إذ المراد شمول النفى لا نفى الشمول والكلام فى همزة أحد وفى دخول بين عليه قد مر تفصيله عند قوله تعالى (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) وفيه من الدلالة صريحا على تحقق عدم التفريق بين كل فرد فرد منهم وبين من عداه كائنا من كان ما ليس فى أن يقال لا نفرق بين رسله وإيثار إظهار الرسل على الإضمار الواقع مثله فى قوله تعالى (وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) إما للاحتراز عن توهم اندارج الملائكة فى الحكم أو للإشعار بعلة عدم التفريق أو للإيماء إلى عنوانه لأن المعتبر عدم التفريق من حيث الرسالة دون سائر الحيثيات الخاصة (وَقالُوا) عطف على آمن وصيغة الجمع باعتبار جانب المعنى وهو حكاية لامتثالهم بالأوامر إثر حكاية