عليه من الظهور بحيث لا حاجة إلى ذكره أصلا وكذا فى التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليهالسلام تشريف له وتنبيه على أن إنزاله إليه تربية وتكميل له عليهالسلام (وَالْمُؤْمِنُونَ) أى الفريق المعروفون بهذا الاسم فاللام عهدية لا موصولة لإفضائها إلى خلو الكلام عن الجدوى وهو مبتدأ وقوله عزوجل (كُلٌّ) مبتدأ ثان وقوله تعالى (آمَنَ) خبره والجملة خبر للمبتدأ الأول والرابط بينهما الضمير الذى ناب منابه التنوين وتوحيد الضمير فى آمن مع رجوعه إلى كل المؤمنين لما أن المراد بيان إيمان كل فرد فرد منهم من غير اعتبار الاجتماع كما اعتبر ذلك فى قوله تعالى (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) وتغيير سبك النظم الكريم عما قبله لتأكيد الإشعار بما بين إيمانه عليهالسلام المبنى على المشاهدة والعيان وبين إيمانهم الناشىء عن الحجة والبرهان من التفاوت البين والاختلاف الجلى كأنهما مختلفان من كل وجه حتى فى هيئة التركيب الدال عليهما وما فيه من تكرير الإسناد لما فى الحكم بإيمان كل واحد منهم على الوجه الآتى من نوع خفاء محوج إلى التقوية والتأكيد أى كل واحد منهم آمن (بِاللهِ) وحده من غير شريك له فى الأولهية والمعبودية (وَمَلائِكَتِهِ) أى من حيث أنهم عباد مكرمون له تعالى من شأنهم التوسط بينه تعالى وبين الرسل بإنزال الكتب وإلقاء الوحى فإن مدار الإيمان بهم ليس من خصوصيات ذواتهم فى أنفسهم بل هو من إضافتهم إليه تعالى من الحيثية المذكورة كما يلوح به الترتيب فى النظم (وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) أى من حيث مجيئهما من عنده تعالى لإرشاد الخلق إلى ما شرع لهم من الدين بالأوامر والنواهى لكن لا على الإطلاق بل على أن كل واحد من تلك الكتب منزل منه تعالى إلى رسول معين من أولئك الرسل عليهم الصلاة والسلام حسبما فصل فى قوله تعالى (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) الآية ولا على أن مناط الإيمان خصوصية ذلك الكتاب أو ذلك الرسول بل على أن الإيمان بالكل مندرج فى الإيمان بالكتاب المنزل إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ومستند إليه لما تلى من الآية الكريمة ولا على أن أحكام الكتب السالفة وشرائعها باقية بالكلية ولا على أن الباقى منها معتبر بالإضافة إليها بل على أن أحكام كل واحد منها كانت حقة ثابتة إلى ورود كتاب آخر ناسخ له وأن ما لم ينسخ منها إلى الآن من الشرائع والأحكام ثابتة من حيث إنها من أحكام هذا الكتاب المصون عن النسخ إلى يوم القيامة وإنما لم يذكر ههنا الإيمان باليوم الآخر كما ذكر فى قوله تعالى (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ) لاندراجه فى الإيمان بكتبه وقرىء وكتابه على أن المراد به القرآن أو جنس الكتاب كما فى قوله تعالى (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) والفرق بينه وبين الجمع أنه شائع فى أفراد الجنس والجمع فى جموعه ولذلك قيل الكتاب أكثر من الكتب وهذا نوع تفصيل لما أجمل فى قوله تعالى (بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) اقتصر عليه إيذانا بكفايته فى الإيمان الإجمالى المتحقق فى كل فرد من أفراد المؤمنين من غير نفى لزيادة ضرورة اختلاف طبقاتهم وتفاوت إيمانهم بالأمور المذكورة فى مراتب التفصيل تفاوتا فاحشا فإن الإجمال فى الحكاية لا يوجب الإجمال فى المحكى كيف لا وقد أجمل فى حكاية إيمانه عليهالسلام بما أنزل إليه من ربه مع بداهة كونه متعلقا بتفاصيل ما فيه من الجلائل والدقائق ثم إن الأمور المذكورة