(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)(٢٨٥)
____________________________________
كيف لا وعلمه سبحانه بمعلوماته متعال عن أن يكون بطريق حصول الصور بل وجود كل شىء فى نفسه فى أى طور كان علم بالنسبة إليه تعالى وفى هذا لا يختلف الحال بين الأشياء البارزة والكامنة خلا أن مرتبة الإخفاء متقدمة على مرتبة الإبداء إذ ما من شىء يبدى إلا وهو أو مباديه قبل ذلك مضمر فى النفس فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية وقد مر فى تفسير قوله تعالى (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (فَيَغْفِرُ) بالرفع على الاستئناف أى فهو يغفر بفضله (لِمَنْ يَشاءُ) أن يغفر له (وَيُعَذِّبُ) بعدله (لِمَنْ يَشاءُ) أن يعذبه حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح وتقديم المغفرة على التعذيب لتقدم رحمته على غضبه وقرىء بجزم الفعلين عطفا على جواب الشرط وقرىء بالجزم من غير فاء على أنهما بدل من الجواب بدل البعض أو الاشتمال ونظيره الجزم على البدلية من الشرط فى قوله[متى تأتنا تلمم بنا فى ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا] وإدغام الراء فى اللام لحن (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تذييل مقرر لمضمون ما قبله فإن كمال قدرته تعالى على جميع الأشياء موجب لقدرته سبحانه على ما ذكر من المحاسبة وما فرع عليه من المغفرة والتعذيب (آمَنَ الرَّسُولُ) لما ذكر فى فاتحة السورة الكريمة أن ما أنزل إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم من الكتاب العظيم الشأن هدى للمتصفين بما فصل هناك من الصفات الفاضلة التى من جملتها الإيمان به وبما أنزل قبله من الكتب الإلهية وأنهم حائزون لإثرتى الهدى والفلاح من غير تعيين لهم بخصوصهم ولا تصريح بتحقق اتصافهم بها إذ ليس فيما يذكر فى حيز الصلة حكم بالفعل وعقب ذلك ببيان حال من كفر به من المجاهرين والمنافقين ثم شرح فى تضاعيفها من فنون الشرائع والأحكام والمواعظ والحكم وأخبار سوالف الأمم وغير ذلك ما تقتضى الحكمة شرحه عين فى خاتمتها المتصفون بها وحكم باتصافهم بها على طريق الشهادة لهم من جهته عزوجل بكمال الإيمان وحسن الطاعة وذكر صلىاللهعليهوسلم بطريق الغيبة مع ذكره هناك بطريق الخطاب لما أن حق الشهادة الباقية على مر الدهور أن لا يخاطب بها المشهود له ولم يتعرض ههنا لبيان فوزهم بمطالبهم التى من جملتها ما حكى عنهم من الدعوات الآتية إيذانا بأنه أمر محقق غنى عن التصريح به لا سيما بعد ما نص عليه فيما سلف وإيرادهصلىاللهعليهوسلم بعنوان الرسالة المنبئة عن كونه صلىاللهعليهوسلم صاحب كتاب مجيد وشرع جديد تمهيد لما يعقبه من قوله تعالى (بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ) ومزيد توضيح لاندراجه فى الرسل المؤمن بهم عليهمالسلام والمراد بما أنزل إليه ما يعم كله وكل جزء من أجزائه ففيه تحقيق لكيفية إيمانه صلىاللهعليهوسلم وتعيين لعنوانه أى آمن عليهالسلام بكل ما أنزل إليه (مِنْ رَبِّهِ) إيمانا تفصيليا متعلقا بجميع ما فيه من الشرائع والأحكام والقصص والمواعظ وأحوال الرسل والكتب وغير ذلك من حيث إنه منزل منه تعالى وأما الإيمان بحقية أحكامه وصدق أخباره ونحو ذلك فمن فروع الإيمان به من الحيثية المذكورة وفى هذا الإجمال إجلال لمحلهصلىاللهعليهوسلم وإشعار بأن تعلق إيمانه بتفاصيل ما أنزل إليه وإحاطته بجميع ما انطوى