(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢٨٤)
____________________________________
فعليكم أو فليؤخذ أو فالمشروع رهان مقبوضة وليس هذا التعليق لاشتراط السفر فى شرعية الارتهان كما حسبه مجاهد والضحاك لأنه صلىاللهعليهوسلم رهن درعه فى المدينة من يهودى بعشرين صاعا من شعير أخذه لأهله بل لإقامة التوثق بالارتهان مقام التوثق بالكتبة فى السفر الذى هو مظنة إعوازها وإنما لم يتعرض لحال الشاهد لما أنه فى حكم الكاتب توثقا وإعوازا والجمهور على وجوب القبض فى تمام الرهن غير مالك وقرىء فرهن كسقف وكلاهما جمع رهن بمعنى مرهون وقرىء بسكون الهاء تخفيفا (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أى بعض الدائنين بعض المديونين لحسن ظنه به واستغنى بأمانته عن الارتهان وقرىء فإن أو من بعضكم أى آمنه الناس ووصفوه بالأمانة قيل فيكون انتصاب بعضا حينئذ على نزع الخافض أى على متاع بعض (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ) وهو المديون وإنما عبر عنه بذلك العنوان لتعينه طريقا للإعلام ولحمله على الأداء (أَمانَتَهُ) أى دينه وإنما سمى أمانة لائتمانه عليه بترك الارتهان به وقرىء أيتمن بقلب الهمزة ياء وقرىء بإدغام الياء فى التاء وهو خطأ لأن المنقلبة من الهمزة لا تدغم لأنها فى حكمها (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) فى رعاية حقوق الأمانة وفى الجمع بين عنوان الألوهية وصفة الربوبية من التأكيد والتحذير ما لا يخفى (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) أيها الشهود أو المديونون أى شهادتكم على أنفسكم عند المعاملة (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) آثم خبر إن وقلبه مرتفع به على الفاعلية كأنه قيل يأثم قلبه أو مرتفع بالابتداء وآثم خبر مقدم والجملة خبر إن وإسناد الإثم إلى القلب لأن الكتمان مما اقترفه ونظيره نسبة الزنا إلى العين والأذن أو للمبالغة لأنه رئيس الأعضاء وأفعاله أعظم الأفعال كأنه قيل تمكن الإثم فى نفسه وملك أشرف مكان فيه وفاق سائر ذنوبه. عن ابن عباس رضى الله عنهما إن أكبر الكبائر الإشراك بالله لقوله تعالى (فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) وشهادة الزور وكتمان الشهادة وقرىء قلبه بالنصب كما فى سفه نفسه وقرىء أثم قلبه أى جعله آثما (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) فيجازيكم به إن خيرا فخير وإن شرا فشر (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الأمور الداخلة فى حقيقتهما والخارجة عنهما المتمكنة فيهما من أولى العلم وغيرهم أى كلها له تعالى خلقا وملكا وتصرفا لا شركة لغيره فى شىء منها بوجه من الوجوه (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) من السوء والعزم عليه بأن تظهروه للناس بالقول أو بالفعل (أَوْ تُخْفُوهُ) بأن تكتموه منهم ولا تظهروه بأحد الوجهين ولا يندرج فيه ما لا يخلو عنه البشر من الوساوس وأحاديث النفس التى لا عقد ولا عزيمة فيها إذ التكليف بحسب الوسع (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) يوم القيامة وهو حجة على منكرى الحساب من المعتزلة والروافض وتقديم الجار والمجرور على الفاعل للاعتناء به وأما تقديم الإبداء على الإخفاء على عكس ما فى قوله عزوجل (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) فلما أن المعلق بما فى أنفسهم ههنا هو المحاسبة والأصل فيها الأعمال البادية وأما العلم فتعلقه بها كتعلقه بالأعمال الخافية