قلب وفراغ جنان فبينما أنا فى هذا الخيال إذ بدا لى ما لم يخطر بالبال تحولت الأحوال والدهر حول فوقعت فى أمر أشق من الأول أمرت بحل مشكلات الأنام فيما شجر بينهم من النزاع والخصام فلقيت معضلة طويلة الذيول وصرت كالهارب من المطر إلى السيول فبلغ السيل الزبى وغمرنى أى غمر غوارب ما جرى بين زيد وعمر وفأضحيت فى ضيق المجال وسعة الأشغال أشهر ممن يضرب بها الأمثال فجعلت أتمثل بقول من قال :
لقد كنت أشكوك الحوادث برهة |
|
وأستمرض الأيام وهى صحائح |
إلى أن تغشتنى وقيت حوادث |
|
تحقق أن السالفات منائح |
فلما انصرمت عرى الآمال عن الفوز بفراغ البال ورأيت أن الفرصة على جناح الفوات وشمل الأسباب فى شرف الشتات وقد مسنى الكبر وتضاءلت القوى والقدر ودنا الأجل من الحلول وأشرفت شمس الحياة على الأفول عزمت على إنشاء ما كنت أنويه وتوجهت إلى إملاء ما ظلت أبتغيه ناويا أن أسميه عند تمامه بتوفيق الله تعالى وإنعامه (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم) فشرعت فيه مع تفاقم المكاره على وتزاحم المشادة بين يدى متضرعا إلى رب العظمة والجبروت خلاق عالم الملك والملكوت فى أن يعصمنى عن الزيغ والزلل ويقينى مصارع السوء فى القول والعمل ويوفقنى لتحصيل ما أرومه وأرجوه ويهدينى إلى تكميله على أحسن الوجوه ويجعله خير عدة وعتاد أتمتع به يوم المعاد فيامن توجهت وجوه الذل والإبتهال نحو بابه المنيع ورفعت أيدى الضراعة والسؤال إلى جنابه الرفيع أفض علينا شوارق أنوار التوفيق وأطلعنا على دقائق أسرار التحقيق وثبت أقدامنا على مناهج هداك وأنطقنا بما فيه أمرك ورضاك ولا تكلنا إلى أنفسنا فى لحظة ولا آن وخذ بناصيتنا إلى الخير حيث كان جئاك على جباه الإستكانة ضارعين ولأبواب فيضك قارعين أنت الملاذ فى كل أمرمهم وأنت المعاذ فى كل خطب ملم لارب غيرك ولا خير إلا خيرك بيدك مقاليد الأمور لك الخلق والأمر وإليك النشور.