(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ)(٣٤)
____________________________________
بمن يحترف به وأن اللغات توقيفية إذ الأسماء تدل على الألفاظ بخصوص أو بعموم وتعليمها ظاهر فى إلقائها على المتعلم مبينا له معانيها وذلك يستدعى سابقة وضع وما هو إلا من الله تعالى وأن مفهوم الحكمة زائد على مفهوم العلم وإلالزم التكرار وأن علوم الملائكة وكمالاتهم تقبل الزيادة والحكماء منعوا ذلك فى الطبقة العليا منهم وحملوا على ذلك قوله تعالى (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) وأن آدم أفضل من هؤلاء الملائكة لأنه عليهالسلام أعلم منهم وأنه تعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) عطف على الظرف الأول منصوب بما نصبه من المضمر أو بناصب مستقل معطوف على ناصبه عطف القصة على القصة أى واذكر وقت قولنا لهم وقيل بفعل دل عليه الكلام أى أطاعوا وقت قولنا الخ وقد عرفت ما فى أمثاله وتخصيص هذا القول بالذكر مع كون مقتضى الظاهر إيراده على منهاج ما قبله من الأقوال المحكية المتصلة به للإيذان بأن ما فى حيزه نعمة جليلة مستقلة حقيقة بالذكر والتذكير على حيالها والالتفات إلى التكلم لإظهار الجلالة وتربية المهابة مع ما فيه من تأكيد الاستقلال وكذا إظهار الملائكة فى موضع الإضمار والكلام فى اللام وتقديمها مع مجرورها على المفعول كما مر وقرىء بضم تاء الملائكة اتباعا لضم الجيم فى قوله تعالى (اسْجُدُوا لِآدَمَ) كما قرىء بكسر الدال فى قوله تعالى الحمد لله اتباعا لكسر اللام وهى لغة ضعيفة والسجود فى اللغة الخضوع والتطامن وفى الشرع وضع الجبهة على الأرض على قصد العبادة فقيل أمروا بالسجود له عليهالسلام على وجه التحية والتكرمة تعظيما له واعترافا بفضله وأداء لحق التعليم واعتذارا عما وقع منهم فى شأنه وقيل أمروا بالسجود له تعالى وإنما كان آدم قبلة لسجودهم تفخيما لشأنه أو سببا لوجوبه فكأنه تعالى لما برأه أنموذجا للمبدعات كلها ونسخة منطوية على تعلق العالم الروحانى بالعالم الجسمانى وامتزاجهما على نمط بديع أمرهم بالسجود له تعالى لما عاينوا من عظيم قدرته فاللام فيه كما فى قول حسان رضى الله عنه[أليس أول من صلى لقبلتكم وأعرف الناس بالقرآن والسنن] أو فى قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) والأول هو الأظهر وقوله عزوجل (فَسَجَدُوا) عطف على قلنا والفاء لإفادة مسارعتهم إلى الامتثال وعدم تلعثمهم فى ذلك روى عن وهب أن أول من سجد جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم عزرائيل ثم سائر الملائكة عليهمالسلام وقوله تعالى (إِلَّا إِبْلِيسَ) استثناء متصل لما أنه كان جنيا مفردا مغمورا بألوف من الملائكة متصفا بصفانهم فغلبوا عليه فى فسجدوا ثم استثنى استثناء واحد منهم أو لأن من الملائكة جنسا يتوالدون يقال لهم الجن كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما وهو منهم أو لأن الجن أيضا كانوا مأمورين بالسجود له لكن استغنى بذكر الملائكة عن ذكرهم أو منقطع وهو اسم أعجمى ولذلك لم ينصرف ومن جعله مشتقا من الإبلاس وهو إلباس قال إنه مشبه بالعجمة حيث لم يسم به أحد فكان كالاسم الأعجمى واعلم أن الذى تقتضيه هذه الآية الكريمة والتى فى سورة الأعراف من قوله