أهوال يوم القيامة
(إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) ففي ذلك اليوم زلزال عنيف تهز مشاهد الهول والرعب والعذاب فيه النفوس ، مما يجعلها تفقد ثبات مواقفها على الأرض التي فقدت صلابتها أمام اهتزاز الفكر والروح والشعور ، مما يجعل الموقف مشابها للزلزال الذي تتساقط فيه السقوف والجدران والصخور وتخسف به الأرض ، بكل ما يوحيه ذلك من خوف ورعب وذعر يتجاوز في أهواله كل حدّ. (يَوْمَ تَرَوْنَها) في نتائجها الفظيعة التي تقتلع الإنسان من أعمق مشاعره ، وأدقّ مناطق الإحساس لديه ، حيث (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) عند ما تكون في جوّ تنساب فيه مشاعر الأمومة في داخلها ، وتعيش فيه الاندماج الروحي مع دفقات الحليب الطاهر من ثديها في الفم الصغير الذي يمثل ابتهال الطفولة الجائعة إلى الأمومة الحانية ، طلبا للحب والعطف والحنان والغذاء والشراب ، إذ إن الأم هي سرّ الحياة منذ انطلاقتها في رحلة النموّ حتى تكاملها في مرحلة الوجود. ولكن على الرغم مما تشعر به الأم في موقف الرضاع من تفاعل بين روحها ونداء رضيعها ، بحيث تحس بأن روحها تتحرك في أحضانها ، فلا تغفل عن ابتسامته عند ما يبتسم ، وعن دمعته عند ما يبكي ، وما يصنعه ذلك الإحساس من تحول في قطرات الحليب ـ من حيث تدري أو لا تدري ـ إلى قطرات حبّ وحنان ، إلا أنها يوم القيامة أمام الرعب والخوف تذهل عنه وعن كل ما حولها ، وتستغرق في التفكير بمصيرها ، فهي تعجز في لحظات الحيرة والذهول عن التفكير إلا بنفسها ، لأن حدّة المعاناة لا تترك لها أيّ مجال للالتفات إلى أي شخص آخر.
(وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) وتسقط الحامل ولدها من بطنها من شدة الذهول ، وتطرح كل ذات حمل ما يثقلها مما تحمله ، مهما كان عزيزا