يوحي بأنه قد يشبه الأول في انطلاقه من موقع الانتماء إلى المضلّين ، وقد يكون الفرق بينهما ، أن الأوّل يعيش الضلال في ذاته ، أما الثاني فيمارس الدعوة إلى الضلال ، إضافة إلى ضلاله في نفسه ، مما يجعل جريمته أكبر ، لأنه يعمل على إخضاع الحياة للضلال.
* * *
الخزي والعذاب للضالّ المضلّ
(لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) لما يمثله الانحراف والضلال من عار وذلّ وفضيحة على صاحبه ، لأن جهل الإنسان بالحقائق الواضحة ، وابتعاده عن التفكير المنطقي في مواجهة القضايا العامة ، يفضحانه في ساحة الصراع الفكري والعقيدي ، (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) جزاء لتمرّده على الله ، بعد قيام الحجّة عليه ، في ما أنكره وجحده ، وفي ما أشرك به دون علم.
(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) ذلك هو الخطاب الحاسم الذي يواجه به عند ما يستنكر أو يحتج أو يتساءل ، فقد قدّمت يداك ـ وأنت في الدنيا ـ كل هذا النتاج الضخم من الأعمال الشريرة القائمة على الكفر والضلال ، دون ركيزة من علم ، ودون قاعدة من إيمان ، فهل هناك أيّ ظلم في ما تلقاه الآن من عذاب؟! فعذاباتك نتيجة طبيعية لأعمالك ، وقد أنذرك الله وحذّرك من كل ما تتعرض له الآن. (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ولكن الناس يظلمون أنفسهم بالكفر والمعصية والضلال الشديد.
وهذا النموذج الذي تقدمه الآية يمكن معاينته في الواقع في صورة الذين ينطلقون مع انتماءات الكفر والباطل ويتحملون مسئولية الدعوة إلى الأفكار الضالة التي تمثلها تلك الانتماءات ، في مجال العقيدة والشريعة والمنهج و