(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) أي على طرف ، أو جانب واحد ، فلا ينطلق في العبادة بشكل كلي وشامل بعد دراسة كل الاحتمالات والإمكانات والاستعداد للنتائج الإيجابية أو السلبيّة التزاما بكل المواقف على جميع التقادير .. وهو حال الكثيرين ممن يطلبون الإيمان في حال السلم والربح والرخاء ، لا في حال الحرب والخسارة والشدّة .. وبذلك ينطبع إيمانهم بطابع الجوّ الذي يعيشونه في الداخل ، فهو لا يكون مستقرا إلا على الأرض التي لا تزورها العواصف ، ولا تسكنها الزلازل ، والتي يخيم عليها السكون .. إن هذه الجماعات تمثل نموذج الإنسان الذي يعيش الاسترخاء في إيمانه ، كما يعيش الاسترخاء في جسده ، في ما يشبه الخمول (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ) واستراح له ، لأنه لا يلامس إلا الجوانب الإيجابية في حياته ، مما يرضي طموحه ، ويريح حياته ، (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) مما يفتن به الله عباده من البلاء المتنوّع في أجسادهم وفي أموالهم ، وفي شهواتهم وأهلهم وأولادهم ، اهتز إيمانه أمام التجربة الصعبة ولم يستطع الثبات أمامها ، فيسقط ، ويسقط معه النموذج الذي يمثله ، فهو نموذج يخيّل له وللناس أنه ثابت قويّ ، ولكن إذا ما جاءته الفتنة (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) وارتدّ عن دينه ، وابتعد عن مواقع الخير في خط الله ، واقترب من مواقع الشر في خط الشيطان ، فيورّطه في أكثر من مشكلة ، ويوقعه في أكثر من مهلكة ، مما كان يظن فيها أنها تنجيه ، فإذا بها ترديه ، ومما كان يحسب أنها تخفف عنه ، فإذا بها تشدّد الأمر عليه.
* * *
بئس من يدعون إليه
(خَسِرَ الدُّنْيا) التي كان يؤمّل فيها فخاب ظنه وخسر صفقة يمينه