نموذج الضالّ المضلّ
وهذا نموذج آخر للذين يتحركون في الجدال من مواقع الجهل والضياع ويعرضون عن كل دعوة للعلم والتأمّل والحوار المنفتح على الفكر ... هؤلاء الذين لا يكتفون بضلالهم الذاتي الذي يتخبطون فيه ، بل يعملون على جعل الحياة كلها من حولهم ضلالا وابتعادا عن الحق المنطلق من وحي الله.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) فيثير الحديث حول الذات والصفات والأقوال والأفعال والوحي والنبوات والمعاد ، ونحو ذلك مما يتصل بالله ، (بِغَيْرِ عِلْمٍ) دون مخزون من الأفكار والتأمّلات الذاتية التي ينتجها العقل المجرّد أو التجربة الشخصية ، (وَلا هُدىً) يتعلمه مما أنزله الله من وحي على رسله ، (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) مما كتبه أهل الحق من تعاليم الله عقيدة وشريعة ، (ثانِيَ عِطْفِهِ) أي الذي ينحرف بجانبه ، فيكسره ، كالمعرض الذي لا يلتفت إلى من حوله ، وهو كناية عن الاستكبار والإعراض عن الحق ، وذلك (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) من خلال الجدال الذي يحركه في اتجاه الضلال ، بجميع الوسائل التي يثيرها في الساحة.
وقد ذكر البعض أن الفرق بين هذا النموذج والنموذج السابق ، مع التقائهما بأنهما يجادلان في الله بغير علم ، أن هذا النموذج هو في المقلّدين ـ بفتح اللام ـ والآية السابقة في المقلّدين ـ بكسر اللّام ـ (١).
ولكن ذلك غير واضح ، فإن الآية الأولى إذا تحدثت عن اتباعه لكلّ شيطان مريد ، فإن هذه الآية انطلقت من عدم استناده إلى شيء ثابت ، مما قد
__________________
(١) انظر : الزمخشري ، أبو القاسم ، جار الله ، محمود بن عمر ، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، دار الفكر ، بيروت ـ لبنان ، ج : ٣ ، ص : ٦.