تحت صومعة راهب فرأى الراهب من ظهور كرامة الله تعالى له ما علم أنه لا يكون إلّا لنبي فقال لميسرة : من هذا؟ فقال : رجل من قريش من أهل الحرم ، فقال : إنه نبي ، فكان ميسرة يراه إذا ركب تظلّه غمامة تقيه حر الشمس.
فلما قدم على خديجة قص ميسرة عليها حديث الراهب وما شاهده من ظل الغمامة وما تضاعف من ربح التجارة فتنبهت به على عظم شأنه وشواهد برهانه فرغبت خديجة في نكاحه ، وكان قد خطبها أشراف قريش فامتنعت ، وسفر بينهما في النكاح ميسرة وقيل مولاه بولده وخافت امتناع أبيها عليه فعقرت له ذبيحة وألبسته حبرة وغلفته بطيب وعبير وسقته خمرا حتى سكر وحضر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعه عمه حمزة بن عبد المطلب ، واختلف في حضور عمه أبي طالب فقال الأكثرون : حضر مع حمزة وخطبها من أبيها فأجابه وزوّجه وهو ابن خمسة وعشرين سنة وخديجة ابنة أربعين سنة ودخل بها من ليلته ، فلما أصبح خويلد وصحا رأى آثار ما عليه ، فقال : ما هذا العقير والعبير والحبر؟ فيل : زوّجت خديجة بمحمد ، قال : ما فعلت؟ قيل له : قبيح بك هذا وقد دخل بها ، فرضي ، ولأجل ذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يرفع إليّ نكاح نشوان إلّا أجزته» ، وقامت خديجة رضي الله تعالى عنها بأمره حتى كفته أمور دنياه ، فكان ذلك عونا من الله تعالى ولطفا تفضل به عليه منّا وإسعافا.
ومن هواجس الإلهام : ما حكاه عامر بن ربيعة قال : سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول : أنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل من بني عبد المطلب ولا أراني أدركه وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي ، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرأه مني السلام وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك قلت : هلم ، قال : هو رجل ليس بالقصير ولا بالطويل ولا بكثير الشعر ولا بقليله وليس يفارق عينيه حمرة وخاتم النبوة بين كتفيه واسمه أحمد ، وهذا البلد مولده ثم يخرجه قومه منها ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره فإياك أن تخدع عنه فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم فكل من أسأله عنه من اليهود والنصارى والمجوس يقولون هذا الدين وراءك وينعتونه مثل ما نعت لك