والرابع أن قريشا اسم دابة في البحر من أقوى دوابه سميت بها قريش لقوتها ، أنها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى ، قاله ابن عباس واستشهد بقول الشاعر :
وقريش هي التي تسكن البحر |
|
بها سميت قريش قريشا |
سلطت بالعلو في لجة البحر |
|
على ساكني البحور جيوشا |
تأكل الغث والسمين ولا |
|
تترك يوما لذي الجناحين ريشا |
هكذا في البلاد حتى قريش |
|
يأكلون البلاد أكلا كشيشا |
ولهم آخر الزمان نبي |
|
يكثر القتل فيهم والخموشا |
تملأ الأرض خيله ورجال |
|
يحشرون المطي حشرا كميشا |
وهذا من هواجس النفوس المخبرة وآيات العقول المنذرة ، فأما مكة فلها اسمان : مكة وبكة ، وقد جاء القرآن بهما ، واختلف في الاسمين هل هما لمسمى واحد أو لمسميين على قولين :
أحدهما : أنه لمسمى واحد لأن العرب تبدل الميم بالباء فيقولون ضربة لازم ولازب لقرب المخرجين.
والقول الثاني : وهو أشبه أنهما اسمان لمسميين ، واختلف من قال بهذا في المسمى منهما على قولين ؛
أحدهما : أن مكة اسم البلد وبكة (٥) اسم البيت ، وهذا قول إبراهيم النخعي.
والقول الثاني : أن مكة الحرم كله وبكة المسجد كله ، وهذا قول زيد بن أسلم ، فأما مكة فمأخوذة من قولهم : تمككت المخ إذا استخرجته لأنها تملك الفاجر ، أي تخرجه ، قال الشاعر :
يا مكة الفاجر مكي مكا |
|
ولا تمكي مذحجا وعكا |
وأما بكة قال الأصمعي : سميت بذلك لأن الناس يبك بعضهم بعضا ،
__________________
(٥) وقلب الباء ميما أو العكس وارد في العديد من الكلمات العربية وهي قاعدة في اللغة الآرامية أم اللغة العربيّة.