لاعتقادهم أنه جسم وفى مكان. وهم متفقون على أنه تعالى لو لم يكن جسما ، ولم يكن فى مكان ، فانه يمتنع وجوده ، فضلا عن رؤيته.
اذا عرفت هذا ، فنقول : القول بامتناع رؤية هذا الموجود. اما أن ندعى فيه : أنه معلوم بالبداهة ، أو ندعى فيه : أنه معلوم بالاستدلال.
اما دعوى البداهة فباطلة. ويدل عليه وجوه :
الحجة الأولى : ان البديهى متفق عليه بين العقلاء. وهذا غير متفق عليه. فلا يكون بديهيا.
الحجة الثانية : انا اذا عرضنا على عقولنا : رؤية هذا الموجود ، بالتفسير الّذي لخصناه ، وعرضنا على عقولنا : أن الواحد نصف الاثنين ، لم نجد القضية الأولى فى قوة هذه الثانية.
الحجة الثالثة : ان حكم الوهم. والخيال فى معرفة الله تعالى ، اما أن يكون مقبولا أو لا يكون مقبولا. فان كان مقبولا لا يمتنع اثبات ذات منزهة عن الكمية والكيفية والجهة. والمعتزلى يسلم أن ذلك باطل. وان لم يكن مقبولا ، لم يكن حكم الوهم بأن ما كان منزها عن الجهة ، كان غير مرئى : واجب القبول. لأن الوهم والخيال لما صار كل واحد منهما مردود الحكم فى بعض الأحكام ، لم يبق الاعتماد عليهما فى شيء من المواضع.
وبالجملة : فان كان حكم الوهم حقا ، كان الحق مع المجسم. وان كان مردودا ، كان الحق معنا. أما المعتزلى ، فانه يرد حكمه فى اثبات التجسيم والجهة ، ويقبل حكمه فى مسألة الرؤية. فكان كلامه متناقضا.