ذلك الفعل بذلك المقدار ، ويصح وقوعه أزيد منه أو أنقص منه. فوقوع ذلك المقدار دون ما هو أزيد منه ، أو دون ما هو أنقص منه ، لا يكون الا لأجل القصد والاختيار. والقصد والاختيار مشروط بالعلم ، لأن القصد الى ايجاد العشرة فوق الخمسة ، ودون العشرين ، لا يتأتى الا مع العلم بأنه عشرة ، وليس بخمسة ، وليس بعشرين.
فثبت : أن العبد لو كان موجدا لأفعال نفسه ، لكان عالما بتفاصيل أفعال نفسه. وهذا هو معنى قوله سبحانه وتعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ؟ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك ١٤)
أحدها : ان النائم والمغمى عليه قد ينقلب من أحد جنبيه الى وانما قلنا : ان العبد غير عالم بتفاصيل أفعال نفسه لوجوه :
الجنب الآخر ، مع أنه ليس له من كمية تلك الأفعال ولا كيفيتها خبر البتة.
والثانى : ان أكثر المتكلمين متوافقون فى اثبات الجوهر الفرد ، ومتى ثبت القول بالجوهر الفرد ، كان التفاوت بين الحركات فى البطء والسرعة ، لأجل تخلل السكنات فيما بين الحركات. وسيأتى البرهان على ذلك فى تقرير مسألة الجوهر الفرد.
واذا ثبت هذا فنقول : النملة اذا تحركت بحركة بطيئة ، فذاك لأنها تحركت فى بعض الأحياز وسكنت فى بعضها. ومعلوم أنه ليس عند النملة خبر من كمية عدد تلك الأحياز ، وليس عندها خبر من أنها سكنت هاهنا ، وتحركت هناك ، والحال فى الآدمى الّذي هو أعقل الحيوانات كذلك ، فانه اذا مشى فلا شك أن مشيه أبطأ من حركة الفلك. وذلك لأنه سكن فى بعض الأحياز ، وتحرك فى بعضها. وهذا الّذي هو أعقل الخلق ، لو أراد أن يعرف أنه أين سكن؟ واين تحرك؟ لم يعرف. فعلمنا : أن العبد غير عالم بتفاصيل أحوال فعله.