الثالث : ان مذهب «أبى على» و «أبى هاشم» : أن الجسم. اذا تحرك ، فهناك ثلاثة أمور : الجسم ، والمتحركية ، والحركة. وهذه الحركة معنى توجب المتحركية. وتأثير قدرة العبد ليس فى نفس المتحركية ، بل فى هذا المعنى الّذي يوجب تلك المتحركية. ومعلوم أن أكثر العقلاء غافلون عن هذا الثالث. ولا يخطر ببالهم ، ولا يدور فى خيالهم تصور هذا الثالث. واذا ثبت كونهم غافلين عن ماهيته ، استحال منهم القصد الى ايجاده وتكوينه. فان ما لا يكون متصورا عند الذهن ، امتنع القصد الى ايجاده. وهذا الوجه الثانى والثالث مختص بمشايخ المعتزلة. فأما «أبو الحسين» فانه متوقف فى الجوهر الفرد ، وناف لهذا المعنى الثالث. فلا يلزمه ذلك.
الرابع : ان من حرك اصبعه. فلا شك أن ذلك الاصبع مركب من الأجزاء. وقامت بكل واحدة منها حركة على حدة. فاذا لزم فيمن يوجد الشيء أن يكون عالما بتفاصيله من الكمية والكيفية ، وجب فى محرك هذا الاصبع أن يكون عالما بأن أجزاء هذا الاصبع. كم هى؟ حتى يمكنه القصد الى ايجاد الحركة فى كل واحد من تلك الأجزاء ، ويكون عالما بعدد الأحياز الواقعة من مبدأ الحركة الى منتهاها ، حتى يمكنه القصد الى ايجاد الحركات فى تلك الأحياز ، ولما لم يكن شيء من هذه الأحوال معلوما ، علمنا : أن العبد غير عالم بتفاصيل افعال نفسه.
واذا ثبت هذا فنقول : ظهر أنه لو كان موجدا لأفعال نفسه ، لكان عالما بتفاصيل تلك الأفعال ، وظهر أنه غير عالم بتفاصيلها ، فوجب القطع بأن العبد غير موجد لها.
الحجة الثالثة : على أن العبد غير موجد لأفعال نفسه : هو ان ذاته سبحانه وتعالى مستلزمة للقادرية. اما لنفس ذاته عند من يقول : انه تعالى قادر لذاته ، أو بواسطة كونها مستلزمة لمعنى ، وذلك المعنى