جاءت الحالة الثانية ، فهو فى تلك الحالة الثانية مأمور بايقاع الترجيح ، لكن على هذا التقدير لا تكليف عليه فى حال الاستواء ، بل أعلمه أنه فى الحالة الثانية سيصير مكلفا. واذا كان كذلك فنحن نقول : عند مجىء الحالة الثانية ، اما أن يكون الحال حال الاستواء ، أو حال الترجيح. ويعود الاشكال المذكور ، واما أن يكون المراد منه : أنه فى حالة الاستواء مأمور فى هذه الحالة ، بأن يوقع الرجحان فى الحالة الثانية.
لكن على هذا التقدير يتوجه تكليف ما لا يطاق. لأن ايقاع الرجحان فى الزمان الثانى ، مشروط بحصول الزمان الثانى. وحصول الزمان الثانى فى الزمان الأول محال ، فكان ايقاع الترجيح فى الزمان الثانى عند حصول الزمان الأول ، موقوفا على شرط محال ، والموقوف على المحال محال. فقول القائل : انه كلف حال الاستواء بأن يوقع الترجيح فى الزمان الثانى : يكون تكليفا بما لا يطاق.
الوجه الخامس : أن نقول : ان شيئا من التصورات غير مكتسب ، فشيء من التصديقات البديهية غير مكتسب ، فشيء من التصديقات غير مكتسب. مع أنه ورد الأمر بتحصيل المعرفة ، فكان هذا تكليفا بما لا يطاق. وانما قلنا : ان شيئا من التصورات غير مكتسب ، لأن من طلب اكتسابه ، فاما أن يكون له شعور بتلك الماهية ، واما أن لا يكون فان كان له شعور بتلك الماهية ، كان تصورها حاصلا له ، وطلب الحاصل محال ، وان لم يكن له شعور بتلك الماهية ، استحال طلبها ، لأن الغافل عن الشيء ، يمتنع أن يكون طالبا له.
فان قلت : انه مشعور به من وجه دون وجه. قلت : الوجه الشعور به مغاير للوجه الغير مشعور به ، فالمشعور به أمتنع طلبه ، لكونه حاصلا ، وغير المشعور به ، امتنع طلبه ، لكونه مغفولا عنه.