والكذب على الله تعالى محال. والمفضى الى المحال محال. فكان صدور الايمان عنهم محالا ، مع أن الله تعالى كان يأمرهم بالايمان.
الوجه الثالث : انه تعالى كلف «أبا لهب» بالايمان. ومن جملة الايمان تصديق الله تعالى فى كل ما أخبر عنه. ومما أخبر عنه : أن «أبا لهب» لا يؤمن. فقد صار «أبو لهب» مكلفا بأن يؤمن ، بأنه لا يؤمن. وهذا تكليف بالجمع بين النقيضين.
الوجه الرابع : هو ان توجه التكليف على العبد. اما أن يكون حال استواء الداعى الى الفعل أو الترك ، أو حال رجحان أحد الداعيين على الآخر. أما الأول فهو تكليف بما لا يطاق. لأن الاستواء والرجحان متناقضان ، فلو كلف حال الاستواء بالترجيح ، لكان قد وقع التكليف بالجمع بين النقيضين. وأما الثانى فهو أيضا تكليف بما لا يطاق ، لأنه ان كلف بالراجح ، فالراجح واجب الوقوع ـ على ما بيناه ـ وما كان واجب الوقوع لنفسه ، استحال أن يكون وقوعه بايقاع موقع منفصل ، فكان أمره بايقاعه ، أمرا له بما ليس فى وسعه ، وان كلف بالمرجوح فالمرجوح ممتنع الوقوع ، فكان هذا أمرا بايقاع ما يكون ممتنع الوقوع. والله أعلم.
فان قيل : لم لا يجوز أن يقال : انه حال استواء الداعيين ، يكون مأمورا بالترجيح لا فى هذه الحالة التى هى حالة الاستواء ، بل فى الحالة الثانية منهما؟ قلنا : اذا توجه عليه هذا التكليف فى حال الاستواء. فاما أن يؤمر حال الاستواء بأن يحصل الترجيح فى هذه الحالة التى هى حال الاستواء ، فيكون هذا جمعا بين النقيضين. واما أن يقال : انه فى هذه الحالة مأمور بأن يوقع الترجيح فى الحالة الثانية من هذه الحالة. ونقول : هذا القسم أيضا ينقسم الى قسمين. وذلك لأنه اما أن يكون المراد منه : أنه حال الاستواء أعلمه أنه اذا