الا أنه يرجع الكل الى حرف واحد ، وهو أنه لو لا الاستقلال بالفعل ، لكان الأمر والنهى والمدح والذم والثواب والعقاب : باطلا.
والجواب : ان هذا السؤال لازم عليكم أيضا ، من ستة أوجه :
الأول ـ هو أن العلم بعدم الايمان ووجود الايمان ، متضادان متنافيان لذاتيهما ، كما أن الحركة والسكون متنافيان متضادان لذاتيهما. وذلك لأن العلم بعدم الايمان لا يكون علما ، الا مع عدم الايمان ، وعدم الايمان ووجوده متنافيان ، فوجب القول بأن العلم بعدم الايمان. مناف ومضاد لوجود الايمان ، وكما أن الأمر بالجمع بين الحركة والسكون ، أمر بايجاد ما يمتنع وجوده ، فكذلك الأمر بالايمان ، مع قيام العلم بعدم الايمان أمر بالجمع بين الضدين.
اذا عرفت هذا ، فنقول : انه تعالى كان عالما من الأزل الى الأبد ، بأن «أبا لهب» لا يؤمن. ثم انه كان يأمره بالايمان ، فكان هذا أمرا بالجمع بين النقيضين. وهو محال. فالقول بتكليف ما لا يطاق لازم عليه فى مسألة العلم ، كما أنه لازم علينا فى مسألة خلق الأفعال.
ولو أن جملة العقلاء اجتمعوا وأرادوا ، أن يوردوا على هذا الكلام حرفا ، لم يقدروا عليه. الا أن يلتزموا مذهب «هشام بن الحكم» وهو أنه تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها ، لا بالوجود ولا بالعدم. الا أن أكثر (٦) المعتزلة يكفرون من يقول بهذا القول. والله أعلم.
الوجه الثانى فى الالزام : انه تعالى قال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ، سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة ٦] ، فأولئك الذين أخبر الله عنهم بهذا الخبر ، لو آمنوا لانقلب هذا الخبر كذبا ،
__________________
(٦) أكثر : ب ـ والمعتزلة يكفرون بناء على تغير العلم المستلزم قيام الحوادث بالذات. لكن اذا فسرت قوله تعالى (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ) على معنى أن الله يكلم الناس على قدر عقولهم فان المعتزلة لا يكفرون على هذا التفسير.