واذا ثبت أن قدرة الله تعالى على ايجاد هذه الحركة المعينة لا يمكن أن تكون أقوى من قدرة العبد على ايجاد هذا السكون ، استحال أن يقال : ان مقدور الله تعالى أولى بالوقوع من مقدور العبد ، وثبت أن التفاوت الحاصل بسبب أن قدرة الله تعالى متعلقة بما لا نهاية له وقدرة العبد متعلقة بالمتناهى ، لا يقدح فى ذلك التساوى. فثبت : أن بتقدير أن تكون قدرة العبد صالحة للايجاد ، يلزم أحد هذه الأقسام الثلاثة. وثبت : أن كل واحد منها باطل ، فلزم القطع بأن قدرة العبد غير صالحة للايجاد.
الحجة الخامسة : ان الفعل الاختيارى لا يقع منه ، الا ما تعلق به القصد والاختيار. والكافر لا يقصد ولا يختار احداث الجهل ، بل لا يقصد الا العلم والصدق ، فكان يجب أن لا يحصل له الا العلم والصدق. ولما قصد العلم وحصل له الجهل ، علمنا : أن وقوعه ليس بايقاعه بل بايقاع غيره.
فان قيل : انما حصل ذلك الجهل ، لأنه ظن أنه علم ، فلا جرم قصد ايقاعه.
قلنا : فهو انما اختار الجهل بسبب أنه كان ذلك الجهل المتقدم حاصلا له. فان كان القول فيه كما فى الأول ، لزم أن يكون كل جهل مسبوقا بجهل آخر ، لا الى بداية وذلك محال. فاذن لا بد من انتهاء هذه الجهالات الى جهل أول ، غير مسبوق بجهل آخر. وذلك الجهل الأول يستحيل أن يكون بسبب أن الانسان اختاره. لأن الإنسان لا يختار ذلك البتة. فثبت : أن ذلك الجهل الأول انما حصل بايجاد الله تعالى وتخليقه ، وسائر الجهالات تفرعت عليه. فكان الكل مستندا بالحقيقة الى تخليق الله تعالى وتكوينه.
وأما المعتزلة. فكلامهم فى هذا الباب فى غاية الكثرة والبسط ،