بمعصية. وما بعد هذا مفسّر في آل عمران (١) إلى قوله : (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً). وفي معنى «كانت» قولان : أحدهما : أنه توكيد للكلام ، فالمعنى : وهي عاقر ، كقوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) (٢) أي : أنتم. والثاني : أنها كانت منذ كانت عاقرا ، لم يحدث ذلك بها ، ذكرهما ابن الأنباري ، واختار الأوّل. قوله تعالى : (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : «عتيّا» و «بكيّا» (٣) و «صليّا» (٤) بضمّ أوائلها. وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، بكسر أوائلها ، وافقهما حفص عن عاصم ، إلّا في قوله : «بكيّا» فإنه ضمّ أوّله. وقرأ ابن عباس ، ومجاهد : «عسيّا» بالسين قال مجاهد : «عتيّا» هو قحول العظم. وقال ابن قتيبة : أي : يبسا ؛ يقال : عتا وعسا بمعنى واحد. قال الزّجّاج : كلّ شيء انتهى ، فقد عتا يعتو عتيّا ، وعتوّا ، وعسوّا ، وعسيّا.
قوله تعالى : (قالَ كَذلِكَ) أي : الأمر كما قيل لك من هبة الولد على الكبر (قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) أي : خلق يحيى عليّ سهل. وقرأ معاذ القارئ ، وعاصم الجحدريّ : «هين» بإسكان الياء. (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ) أي : أوجدتك. قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : «خلقتك». وقرأ حمزة ، والكسائيّ : «خلقناك» بالنون والألف. (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) المعنى : فخلق الولد ، كخلقك. وما بعد هذا مفسّر في سورة آل عمران (٥) إلى قوله : (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) قال الزّجّاج : «سويّا» منصوب على الحال ، والمعنى : تمنع عن الكلام وأنت سويّ. قال ابن قتيبة : أي : سليما غير أخرس.
قوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ) وهذا في صبيحة الليلة التي حملت فيها امرأته (مِنَ الْمِحْرابِ) أي : من مصلّاه ، وقد ذكرناه في سورة آل عمران (٦). قوله تعالى : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) فيه قولان : أحدهما : أنه كتب إليهم في كتاب ، قاله ابن عباس. والثاني : أومأ برأسه ويديه ، قاله مجاهد. قوله تعالى : (أَنْ سَبِّحُوا) أي : صلّوا (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) قد شرحناه في آل عمران (٧) ، والمعنى : أنه كان يخرج إلى قومه فيأمرهم بالصّلاة بكرة وعشيّا ، فلمّا حملت امرأته أمرهم بالصّلاة إشارة.
(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥))
قوله تعالى : (يا يَحْيى) قال الزّجّاج : المعنى : فوهبنا له يحيى ، وقلنا له : يا يحيى (خُذِ الْكِتابَ) يعني التّوراة ، وكان مأمورا بالتّمسّك بها. وقال ابن الأنباري : المعنى : اقبل كتب الله كلّها إيمانا بها واستعمالا لأحكامها. وقد شرحنا في سورة البقرة (٨) : معنى قوله : (بِقُوَّةٍ).
قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ) فيه أربعة أقوال : أحدها : أنه الفهم ، قاله مجاهد. والثاني : اللّبّ ، قاله الحسن ، وعكرمة. والثالث : العلم ، قاله ابن السّائب. والرابع : حفظ التّوراة وعلمها ، قاله أبو سليمان الدّمشقي. وقد زدنا هذا شرحا في سورة يوسف (٩). وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم ، فهو ممّن أوتي الحكم صبيّا. فأمّا قوله : (صَبِيًّا) ففي سنّه يوم أوتي
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣٩.
(٢) سورة آل عمران : ١١٠.
(٣) سورة مريم : ٥٨.
(٤) سورة مريم : ٧٠.
(٥) سورة آل عمران : ٣٩.
(٦) سورة آل عمران : ٣٩.
(٧) سورة آل عمران : ٣٩.
(٨) سورة البقرة : ٦٣.
(٩) سورة يوسف : ٢٣.