المعاصي. وقال الفرّاء : تزعجهم إلى المعاصي ، وتغريهم بها. قال ابن فارس : يقال : أزّه على كذا : إذا أغراه به ، وأزّت القدر : غلت. قوله تعالى : (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) أي : لا تعجل بطلب عذابهم. وزعم بعضهم أنّ هذا منسوخ بآية السيف ، وليس بصحيح ، (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) في هذا المعدود ثلاثة أقوال : أحدها : أنّه أنفاسهم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال طاوس ، ومقاتل. والثاني : الأيام ، والليالي ، والشّهور ، والسّنون ، والسّاعات ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث : أنها أعمالهم ، قاله قطرب.
(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧))
قوله تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ) قال بعضهم : هذا متعلّق بقوله تعالى : (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا)(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ) وقال بعضهم : تقديره : اذكر لهم يوم نحشر المتّقين ، وهم الذين اتّقوا الله بطاعته واجتناب معصيته. وقرأ ابن مسعود ، وأبو عمران الجوني : «يوم يحشر» بياء مفتوحة ورفع الشين «ويسوق» بياء مفتوحة ورفع السين. وقرأ أبيّ بن كعب ، والحسن البصريّ ، ومعاذ القارئ ، وأبو المتوكّل النّاجي : «يوم يحشر» بياء مرفوعة وفتح الشين «المتقون» رفعا «ويساق» بألف وياء مرفوعة «المجرمون» بالواو على الرّفع. والوفد : جمع وافد ، مثل : ركب ، وراكب ، وصحب ، وصاحب. قال ابن عباس ، وعكرمة ، والفرّاء : الوفد : الرّكبان. قال ابن الأنباري : الرّكبان عند العرب : ركّاب الإبل.
وفي زمان هذا الحشر قولان : أحدهما : أنه من قبورهم إلى الرحمن ، قاله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. والثاني : أنّه بعد الحساب ، قاله أبو سليمان الدّمشقي.
قوله تعالى : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ) يعني : الكافرين (إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) قال ابن عباس ، وأبو هريرة ، والحسن : عطاشا. قال أبو عبيدة : الورد : مصدر الورود. وقال ابن قتيبة : الورد : جماعة يردون الماء ، يعني : أنهم عطاش ، لأنه لا يرد الماء إلّا العطشان. وقال ابن الأنباري : معنى قوله : «وردا» : واردين. قوله تعالى : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ) أي : لا يشفعون ، ولا يشفع لهم. قوله تعالى : (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) قال الزّجّاج : جائز أن يكون «من» في موضع رفع على البدل من الواو والنون ، فيكون المعنى : لا يملك الشفاعة إلّا من اتّخذ عند الرحمن عهدا ؛ وجائز أن يكون في موضع نصب على استثناء ليس من الأوّل ، فالمعنى : لا يملك الشفاعة المجرمون ، ثم قال : «إلا» على معنى «لكن» (مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) فإنه يملك الشفاعة. والعهد ها هنا : توحيد الله والإيمان به. وقال ابن الأنباري : تفسير العهد في اللغة : تقدمة أمر يعلم ويحفظ ، من قولك : عهدت فلانا في المكان ، أي : عرفته ، وشهدته.
(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥))