قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) يعني : اليهود ، والنّصارى ، ومن زعم من المشركين أنّ الملائكة بنات الله (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) أي : شيئا عظيما من الكفر. قال أبو عبيدة : الإدّ ، والنّكر : الأمر المتناهي العظم.
قوله تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، وأبو بكر عن عاصم : «تكاد» بالتاء. وقرأ نافع ، والكسائيّ : «يكاد» بالياء. وقرءا جميعا : «يتفطرن» بالياء والتاء مشدّدة الطّاء ، ووافقهما ابن كثير ، وحفص عن عاصم في «يتفطّرن» وقرأ أبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم : «ينفطرن» ، بالنون وهذا خلافهم في عسق. وقرأ حمزة ، وابن عامر في سورة مريم مثل أبي عمرو ، وفي «عسق» (١) مثل ابن كثير. ومعنى «يتفطّرن منه» : يقاربن الانشقاق من قولكم. قال ابن قتيبة : وقوله تعالى : (هَدًّا) أي : سقوطا.
قوله تعالى : (أَنْ دَعَوْا) قال الفرّاء : من أن دعوا ، ولأن دعوا. وقال أبو عبيدة : معناه : أن جعلوا ، وليس هو من دعاء الصّوت ، وأنشد :
ألا ربّ من تدعو نصيحا وإن تغب |
|
تجده بغيب غير منتصح الصّدر (٢) |
قوله تعالى : (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) أي : ما يصلح له ، ولا يليق به اتّخاذ الولد ، لأنّ الولد يقتضي مجانسة ، وكلّ متّخذ ولدا يتّخذه من جنسه ، والله تعالى منزّه عن أن يجانس شيئا ، أو يجانسه ، فمحال في حقّه اتّخاذ الولد ، (إِنْ كُلُ) أي : ما كلّ (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ) يوم القيامة (عَبْداً) ذليلا خاضعا. والمعنى : أنّ عيسى وعزيرا والملائكة عبيد له. قال القاضي أبو يعلى : وفي هذا دلالة على أنّ الوالد إذا اشترى ولده ، لم يبق ملكه عليه ، وإنما يعتق بنفس الشراء ، لأنّ الله تعالى نفى البنوّة لأجل العبودية ، فدلّ على أنه لا يجتمع بنوّة ورقّ. قوله تعالى : (لَقَدْ أَحْصاهُمْ) أي : علم عددهم (وَعَدَّهُمْ عَدًّا) فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم مع كثرتهم (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) بلا مال ، ولا نصير يمنعه. فإن قيل : لأيّة علّة وحّد في «الرحمن» و «آتيه» وجمع في العائد في «أحصاهم ، وعدّهم». فالجواب : أنّ لكلّ لفظ توحيدا ، وتأويل جمع ، فالتوحيد محمول على اللفظ ، والجمع مصروف إلى التأويل.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨))
قوله تعالى : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) قال ابن عباس : نزلت في عليّ رضي الله عنه ، وقال معناها : يحبّهم ، ويحبّبهم إلى المؤمنين. قال قتادة : يجعل لهم ودّا في قلوب المؤمنين. ومن هذا حديث أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال :
__________________
(١) سورة الشورى : ٢.
(٢) في «اللسان» : النّصح : نقيض الغش.