قوله تعالى : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) قال المفسّرون : لمّا نجّى الله تعالى بني إسرائيل وأغرق فرعون ، قالوا : يا موسى ، لو أتيتنا بكتاب من عند الله ، فيه الحلال والحرام والفرائض ، فأوحى الله تعالى إليه يعده أنه ينزل عليه ذلك في الموضع الذي كلّمه فيه ، فاختار سبعين ، فذهبوا معه إلى الطّور لأخذ التّوراة ، فعجل موسى من بينهم شوقا إلى ربّه ، وأمرهم بلحاقه ، فقال الله تعالى له : ما الذي حملك على العجلة عن قومك ، (قالَ هُمْ أُولاءِ) أي : هؤلاء (عَلى أَثَرِي) ، وقرأ أبو رزين العقيلي ، وعاصم الجحدريّ : «على إثري» بكسر الهمزة وسكون الثاء. وقرأ عكرمة ، وأبو المتوكّل ، وابن يعمر ، برفع الهمزة وسكون الثاء. وقرأ أبو رجاء ، وأبو العالية : بفتح الهمزة وسكون الثاء. والمعنى : هم بالقرب منّي يأتون بعدي (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) أي : لتزداد رضى ، (قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ) قال الزّجّاج : ألقيناهم في فتنة ومحنة ، واختبرناهم. قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِكَ) أي : من بعد انطلاقك من بينهم (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) أي : كان سببا لإضلالهم ، وقرأ معاذ القارئ ، وأبو المتوكّل ، وعاصم الجحدريّ ، وابن السّميفع : «وأضلّهم» برفع اللام. وقد شرحنا في البقرة (١) سبب اتّخاذ السّامريّ العجل ، وشرحنا في سورة الأعراف (٢) معنى قوله تعالى : (غَضْبانَ أَسِفاً).
قوله تعالى : (أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) أي : صدقا ، وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : إعطاء التّوراة. والثاني : قوله : (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ) إلى قوله : (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) ... الآية في المائدة (٣) ، وقوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) (٤). والثالث : النّصر والظّفر.
قوله تعالى : (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) أي : مدّة مفارقتي إيّاكم (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أن تصنعوا صنيعا يكون سببا لغضب ربّكم (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) أي : عهدي ، وكانوا قد عاهدوه أنه إن فكهم الله من ملكة آل فرعون ، أن يعبدوا الله ولا يشركوا به ، ويقيموا الصلاة ، وينصروا الله ورسله. (قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر : بكسر الميم ، وقرأ نافع ، وعاصم : بفتح الميم. وقرأ حمزة ، والكسائيّ : بضمّ الميم. قال أبو عليّ : وهذه لغات. وقال الزّجّاج : الملك بالضمّ : السلطان والقدرة. والملك ، بالكسر : ما حوته اليد. والملك ، بالفتح : المصدر ، يقال : ملكت الشيء أملكه ملكا. وللمفسّرين في معنى الكلام أربعة أقوال : أحدها : ما كنّا نملك الذي اتّخذ منه العجل ولكنها كانت زينة آل فرعون ، فقذفناها ، قاله ابن عباس. والثاني : بطاقتنا قاله قتادة ، والسّدّيّ. والثالث : لم نملك أنفسنا عند الوقوع في البليّة ، قاله ابن زيد. والرابع : لم يملك مؤمنونا سفهاءنا ، ذكره الماوردي. فيخرّج فيمن قال هذا لموسى قولان : أحدهما : أنهم الذين لم يعبدوا العجل. والثاني : عابدوه.
قوله تعالى : (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم : «حملنا» بضمّ الحاء وتشديد الميم. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ وأبو بكر عن عاصم : «حملنا» خفيفة. والأوزار : الأثقال. والمراد بها : حليّ آل فرعون الذي كانوا استعاروه منهم قبل خروجهم من مصر. فمن قرأ «حمّلنا» بالتشديد فالمعنى : حمّلناها موسى ، أمرنا باستعارتها من آل فرعون (فَقَذَفْناها) أي
__________________
(١) سورة البقرة : ٥٢.
(٢) سورة الأعراف : ١٥٠.
(٣) سورة المائدة : ١٣.
(٤) سورة طه : ٨٢.