طرحناها في الحفيرة. وقد ذكرنا سبب قذفهم إيّاها في سورة البقرة (١).
قوله تعالى : (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) فيه قولان : أحدهما : أنه ألقى حليّا كما ألقوا. والثاني : ألقى ما كان من تراب حافر فرس جبريل. وقد سبق شرح القصة في البقرة (٢) وذكرنا في الأعراف (٣) معنى قوله تعالى : (عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ).
قوله تعالى : (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ) هذا قول السّامريّ ومن وافقه من الذين افتتنوا.
قوله تعالى : (فَنَسِيَ) في المشار إليه بالنسيان قولان : أحدهما : أنه موسى. ثم في المعنى ثلاثة أقوال : أحدها : هذا إلهكم وإله موسى فنسي موسى أن يخبركم أنّ هذا إلهه ، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني : فنسي موسى الطريق إلى ربّه ، روي عن ابن عباس أيضا. والثالث : فنسي موسى إلهه عندكم ، وخالفه في طريق آخر ، قاله قتادة. والثاني : أنه السّامريّ ، والمعنى : فنسي السّامريّ إيمانه وإسلامه ، قاله ابن عباس. وقال مكحول : فنسي ، أي : فترك السّامريّ ما كان عليه من الدّين. وقيل : فنسي أنّ العجل لا يرجع إليهم قولا ، ولا يملك لهم ضرّا ولا نفعا. فعلى هذا القول ، يكون قوله تعالى : (فَنَسِيَ) من إخبار الله عزوجل عن السّامريّ. وعلى ما قبله ، فيمن قاله قولان : أحدهما : أنه السّامريّ. والثاني : بنو إسرائيل. قوله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ) قال الزّجّاج : المعنى : أفلا يرون أنه لا يرجع (إِلَيْهِمْ قَوْلاً).
(وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل أن يأتي موسى (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) أي : ابتليتم (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) لا العجل ، (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) أي : لن نزال مقيمين على عبادة العجل (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) فلمّا رجع موسى (قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا) بعبادة العجل (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : «ألا تتبعني» بياء في الوصل ساكنة ، ويقف ابن كثير بالياء ، وأبو عمرو بغير ياء. وروى إسماعيل بن جعفر عن نافع : «ألا تتبعني أفعصيت» بياء منصوبة. وروى قالون عن نافع مثل أبي عمرو سواء. وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة والكسائيّ : بغير ياء في الوصل ، والوقف. والمعنى : ما منعك من اتّباعي و «لا» كلمة زائدة. وفي المعنى ثلاثة أقوال : أحدها : تسير ورائي بمن معك من المؤمنين ، وتفارقهم. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني : أن تناجزهم القتال ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث : في الإنكار عليهم ، قاله مقاتل.
قوله تعالى : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) وهو قوله في وصيّته إيّاه «اخلفني في قومي وأصلح». قال المفسّرون : ثم أخذ برأس أخيه ولحيته غضبا منه عليه (٤). وهذا وإن لم يذكر ها هنا ، فقد ذكر في
__________________
(١) سورة البقرة : ٥٢.
(٢) في الآية ٥٢ من سورة البقرة.
(٣) سورة الأعراف : ١٤٨.
(٤) قال القرطبي رحمهالله في «تفسيره» ٧ / ٢٥٥ : وكان هارون أكبر من موسى ـ صلوات الله وسلامه عليهما