قوله تعالى : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) وقرأ حمزة والكسائيّ : «تبصروا» بالتاء ، فعلى قراءة الجمهور أشار إلى بني إسرائيل ، وعلى هذه القراءة خاطب الجميع. قال أبو عبيدة : علمت ما لم يعلموا. قال : وقوم يقولون : بصرت ، وأبصرت سواء ، بمنزلة أسرعت ، وسرعت. وقال الزّجّاج : يقال : بصر الرجل يبصر : إذا صار عليما بالشيء ، وأبصر يبصر : إذا نظر. قال المفسّرون : فقال له موسى : وما ذاك؟ قال : رأيت جبريل على فرس ، فألقي في نفسي : أن اقبض من أثرها (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً) ، وقرأ أبيّ بن كعب ، والحسن ، ومعاذ القارئ : «قبصة» بالصاد. قال الفرّاء : والقبضة بالكفّ كلّها. والقبصة ـ بالصاد ـ بأطراف الأصابع. قال ابن قتيبة : ومثل هذا : الخضم بالفم كلّه ، والقضم بأطراف الأسنان. والنّضخ أكثر من النّضح ، والرّجز : العذاب والرّجس : النّتن ، والهلاس في البدن ، والسّلاس في العقل ، والغلط في الكلام ، والغلت في الحساب ، والخصر : الذي يجد البرد ، والخرص : الذي يجد البرد والجوع ، والنار الخامدة : التي قد سكن لهبها ولم يطفأ جمرها ، والهامدة : التي طفئت فذهبت البتّة ، والشّكد : العطاء ابتداء ، فإن كان جزاء فهو شكم ، والمائح : الذي يدخل البئر فيملأ الدّلو ، والماتح : الذي ينزعها.
قوله تعالى : (فَنَبَذْتُها) أي : فقذفتها في العجل. وقرأ أبو عمرو وحمزة ، والكسائيّ ، وخلف : «فنبذتها» بالإدغام (وَكَذلِكَ) أي : وكما حدّثتك (سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) أي : زيّنت لي (قالَ) موسى (فَاذْهَبْ) أي : من بيننا (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ) أي : ما دمت حيّا (أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) أي : لا أمسّ ولا أمسّ ، فصار السّامريّ يهيم في البريّة مع الوحش والسّباع ، لا يمسّ أحدا ، ولا يمسّه أحد ، عاقبه الله بذلك ، وألهمه أن يقول : «لا مساس» ، فكان إذا لقي أحدا يقول : لا مساس ، أي : لا تقربني ، ولا تمسّني ، وصار بذلك عقوبة لولده ، حتى بقاياهم اليوم ، فيما ذكر أهل التّفسير ، بأرض الشام يقولون ذلك. وحكي أنه إن مسّ واحد من غيرهم واحدا منهم ، أخذتهما الحمّى في الحال. قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً) أي : لعذابك يوم القيامة (لَنْ تُخْلَفَهُ) أي : لن يتأخّر عنك ومن كسر لام «تخلف» أراد : لن تغيب عنه.
قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ) يعني : العجل (الَّذِي ظَلْتَ) قال ابن عباس : معناه : أقمت عليه ، وقال الفرّاء : معنى «ظلت» : فعلته نهارا. وقرأ أبيّ بن كعب ، وأبو الجوزاء ، وابن يعمر : «ظلت» برفع الظاء. وقرأ ابن مسعود ، وأبو رجاء ، والأعمش ، وابن أبي عبلة : «ظلت» بكسر الظاء. وقال الزّجّاج : «ظلت» و «ظلت» بفتح الظاء وكسرها ، فمن فتح ، فالأصل فيه : «ظللت» ولكنّ اللام حذفت لثقل التّضعيف والكسر ، وبقيت الظاء على فتحها ، ومن قرأ : «ظلت» بالكسر ، حوّل كسرة اللام على الظاء. ومعنى (عاكِفاً) مقيما ، (لَنُحَرِّقَنَّهُ) قرأ الجمهور (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بضمّ النون وفتح الحاء وتشديد الراء ، وقرأ عليّ بن أبي طالب ، وأبو زرين ، وابن يعمر : «لنحرقنه» بفتح النون وسكون الحاء ورفع الراء مخفّفة. وقرأ أبو هريرة ، والحسن ، وقتادة : «لنحرقنه» برفع النون وإسكان الحاء وكسر الراء مخفّفة. قال الزّجّاج : إذا شدّد فالمعنى : نحرقه مرّة بعد مرّة وتأويل «لنحرقنّه» : لنبردنّه ، يقال : حرقت أحرق وأحرق : إذا بردت الشيء ، والنّسف : التّذرية. وجاء في التّفسير : أنّ موسى أخذ العجل فذبحه ، فسال منه دم ، لأنه كان قد صار لحما ودما ، ثم أحرقه بالنار ، ثمّ ذرّاه في البحر ، ثم أخبرهم موسى عن إلههم ، فقال : (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : هو الذي يستحقّ العبادة ، لا العجل ،