والمعنى : أنهم إن نقضوا العهد ، فإنّ آدم قد عهدنا إليه (فَنَسِيَ).
وفي هذا النّسيان قولان : أحدهما : أنه التّرك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والمعنى : ترك ما أمر به. والثاني : أنه من النّسيان الذي يخالف الذّكر ، حكاه الماوردي. وقرأ معاذ القارئ ، وعاصم الجحدريّ ، وابن السميفع : «فنسّي» برفع النون وتشديد السين.
قوله تعالى : (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) العزم في اللغة : توطين النّفس على الفعل.
وفي المعنى أربعة أقوال (١) : أحدها : لم نجد له حفظا ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، والمعنى : لم يحفظ ما أمر به. والثاني : صبرا ، قاله قتادة ، ومقاتل ، والمعنى : لم يصبر عمّا نهي عنه. والثالث : حزما ، قاله ابن السّائب. قال ابن الأنباري : وهذا لا يخرج آدم من أولي العزم ، وإنما لم يكن له عزم في الأكل فحسب. والرابع : عزما في العود إلى الذّنب ، ذكره الماوردي. وما بعده هذا قد تقدّم تفسيره (٢) إلى قوله تعالى : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) قال المفسّرون : المراد به نصب الدّنيا وتعبها من تكلّف الحرث والزّرع والعجن والخبز وغير ذلك. قال سعيد بن جبير : أهبط إلى آدم ثور أحمر ، فكان يعتمل عليه ويمسح العرق عن جبينه ، فذلك شقاؤه. قال العلماء : والمعنى : فتشقيا ؛ وإنما لم يقل فتشقيا ، لوجهين : أحدهما : أنّ أدم هو المخاطب ، فاكتفى به ، ومثله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) (٣) ، قاله الفرّاء. والثاني : أنه لمّا كان آدم هو الكاسب ، كان التّعب في حقّه أكثر ، ذكره الماوردي.
قوله تعالى : (أَلَّا تَجُوعَ فِيها) قرأ أبيّ بن كعب : «لا تجاع ولا تعرى» بالتاء المضمومة والألف. (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائيّ وحفص عن عاصم : «وأنّك» مفتوحة الألف. وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم : «وإنّك» بكسر الألف. قال أبو عليّ : من فتح حمله على أنّ لك أن لا تجوع وأنّ لك أن لا تظمأ ، ومن كسر استأنف.
قوله تعالى : (لا تَظْمَؤُا فِيها) أي : لا تعطش. يقال : ظمئ الرجل يظمأ ظمأ ، فهو ظمآن ، أي : عطشان. ومعنى (وَلا تَضْحى) لا تبرز للشمس فيصيبك حرّها ، لأنه ليس في الجنة شمس. قوله تعالى : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) أي : على شجرة من أكل منها لم يمت (وَمُلْكٍ لا يَبْلى) جديده ولا يفنى ، وما بعد هذا مفسّر في الأعراف (٤). وفي قوله تعالى : (فَغَوى) قولان : أحدهما : ضلّ طريق الخلود حيث أراده من قبل المعصية. والثاني : فسد عليه عيشه ، لأنّ معنى الغيّ : الفساد. قال ابن الأنباري : وقد غلط بعض المفسّرين ، فقال : معنى «غوى» : أكثر ممّا أكل من الشجرة حتى بشم (٥) ، كما يقال : غوى الفصيل إذا أكثر من لبن أمّه فبشم وكاد يهلك ، وهذا خطأ من وجهين : أحدهما : أنه لا يقال من البشم : غوى يغوي ، وإنما يقال : غوي يغوى. والثاني : أنّ قوله تعالى : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) (٦) يدلّ على أنهما لم يكثرا ، ولم تتأخّر عنهما العقوبة حتى يصلا إلى الإكثار. قال ابن قتيبة : فنحن نقول
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله ٨ / ٤٦٦ : وأصل العزم : اعتقاد القلب على الشيء ، ومن اعتقاد القلب : حفظ الشيء ومنه الصبر على الشيء ، لأنه لا يجزع جازع إلا من خور قلبه وضعفه ، فيكون تأويله ولم نجد له عزم قلب ، على الوفاء لله بعهده ، ولا على حفظ ما عهد إليه.
(٢) سورة البقرة : ٣٤.
(٣) سورة ق : ١٧.
(٤) سورة الأعراف : ٢٢.
(٥) في «اللسان» : البشم : التخمة عن الدسم.
(٦) سورة الأعراف : ٢٢.