في حقّ آدم : عصى وغوى كما قال الله عزوجل ، ولا نقول : آدم عاص وغاو ، كما تقول لرجل قطع ثوبه وخاطه : قد قطعه وخاطه ، ولا تقول : هذا خيّاط ، حتى يكون معاودا لذلك الفعل ، معروفا به.
قوله تعالى : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ) قد بيّنّا الاجتباء في الأنعام (١). (فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) أي : هداه للتّوبة. (قالَ اهْبِطا) في المشار إليهما قولان : أحدهما : آدم وإبليس ، قاله مقاتل. والثاني : آدم وحوّاء ، قاله أبو سليمان الدّمشقي. ومعنى قوله عزوجل : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) آدم وذرّيّته ، وإبليس وذرّيّته ، والحيّة أيضا ؛ وقد شرحنا هذا في البقرة (٢).
قوله تعالى : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ) أي : رسولي وكتابي (فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) قال ابن عباس : من قرأ القرآن واتّبع ما فيه ، هداه الله من الضّلالة ، ووقاه سوء الحساب ، ولقد ضمن الله لمن اتّبع القرآن أن لا يضلّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ، ثم قرأ هذه الآية. قوله تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) قال عطاء : عن موعظتي. وقال ابن السّائب : عن القرآن ولم يؤمن به ولم يتّبعه. قوله تعالى : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) قال أبو عبيدة : معناه : معيشة ضيّقة ، والضّنك يوصف به الأنثى والذّكر بغير هاء ، وكلّ عيش أو مكان أو منزل ضيّق ، فهو ضنك ، وأنشد :
وإن نزلوا بضنك فانزل (٣)
وقال الزّجّاج : الضّنك أصله في اللغة : الضّيق والشّدّة.
وللمفسّرين في المراد بهذه المعيشة خمسة أقوال : أحدها : أنها عذاب القبر.
(٩٨١) رواه أبو هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتدرون ما المعيشة الضّنك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : عذاب الكافر في قبره ، والذي نفسي بيده إنه ليسلّط عليه تسعة وتسعون تنّينا ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة». وممّن ذهب إلى أنه عذاب القبر ابن مسعود ، وأبو سعيد الخدريّ ، والسّدّيّ.
____________________________________
(٩٨١) ضعيف. أخرجه ابن حبان ٣١٢٢ والطبري ٢٤٤٢٦ والبيهقي في «إثبات عذاب القبر» ٦٨ من حديث أبي هريرة ، وإسناده ضعيف ، وقال الشيخ شعيب في «الإحسان» : إسناده حسن. فإن أبا السمح أحاديثه مستقيمة إلا ما كان عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، وهو هاهنا عن ابن حجيرة وقد روى له مسلم اه.
وفيما قاله نظر. جاء في «الميزان» ٢٦٦٧ في ترجمة درّاج أبي السّمح ما ملخصه : قال أحمد : أحاديثه مناكير ، ولينه. وقال الدوري عن يحيى : ليس به بأس ، وقال الدارمي عن يحيى : ثقة. وقال فضلك الرازي : ما هو ثقة ولا كرامة وقال النسائي : منكر الحديث ، وفي رواية : ليس بالقوي. وقال أبو حاتم : ضعيف. وساق له ابن عدي أحاديث ، وقال : عامتها لا يتابع عليها. وقال الدار قطني : ضعيف. ورواية : متروك اه. فتلخص من هذا ، أن الرجل ضعفه الجمهور ، وهو الصواب. وحديثه هذا منكر ، فمثله لا يحسن حديثه خلافا للشيخ شعيب. والله الموفق. وقال ابن كثير عقب هذا الحديث : رفعه منكر جدا. راجع «تفسيره» ٣ / ٢١٣ و «تفسير الشوكاني» ١٦١٠ و ١٦١١ بتخريجي ، والله الموفق.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٨٧.
(٢) سورة البقرة : ٣٦.
(٣) هو جزء من عجز بيت لعنترة بن شداد العبسي وهو في مختار الشعر الجاهلي ١ / ٣٨٨ و «اللسان» ـ ضنك ـ وتمامه :
إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا |
|
أشدد وإن يلفوا بضنك أنزل |
والضنك : الضيق من كل شيء.