أراد : قطعتها محكما لها.
قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي : وأمر بالوالدين إحسانا وهو البرّ والإكرام ، وقد ذكرنا هذا في البقرة (١). قوله تعالى : (إِمَّا يَبْلُغَنَ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو وعاصم ، وابن عامر : «يبلغنّ» على التّوحيد. وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وخلف : «يبلغان» على التّثنية. قال الفرّاء : جعلت «يبلغن» فعلا لأحدهما وكرّت عليهما «كلاهما» ومن قرأ «يبلغان» فإنه ثنّى لأنّ الوالدين قد ذكرا قبل هذا ، فصار الفعل على عددهما ، ثم قال : (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) على الاستئناف ، كقوله تعالى : (فَعَمُوا وَصَمُّوا) (٢) ثم استأنف فقال : (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ).
قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ ، وأبو بكر عن عاصم : «أفّ» بالكسر من غير تنوين ، وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، ويعقوب ، والمفضّل : «أفّ» بالفتح من غير تنوين. وقرأ نافع ، وحفص عن عاصم : (أُفٍ) بالكسر والتنوين. وقرأ أبو الجوزاء وابن يعمر : «أفّ» بالرفع والتنوين وتشديد الفاء. وقرأ معاذ القارئ ، وعاصم ، الجحدريّ ، وحميد بن قيس : «أفا» مثل «تعسا». وقرأ أبو عمران الجوني ، وأبو السّمّال العدويّ : «أفّ» بالرفع من غير تنوين مع تشديد الفاء ، وهي رواية الأصمعيّ عن أبي عمرو. وقال عكرمة ، وأبو المتوكّل ، وأبو رجاء ، وأبو الجوزاء : «أف» بإسكان الفاء وتخفيفها ؛ قال الأخفش : وهذا لأن بعض العرب يقول : أف لك ، على الحكاية ، والرّفع قبيح ، لأنه لم يجئ بعده بلام. وقرأ أبو العالية ، وأبو حصين الأسديّ : «أفّي» بتشديد الفاء وبياء وروى ابن الأنباري أنّ بعضهم قرأها : «أف» بكسر الهمزة. وقال الزّجّاج : فيها سبع لغات : الكسر بلا تنوين ، وبتنوين والضّمّ بلا تنوين ، وبتنوين ، والفتح بلا تنوين ، وبتنوين ، واللغة السابعة لا تجوز في القراءة : «أفي» بالياء ، هكذا قال الزّجّاج. وقال ابن الأنباري : في «أفّ» عشرة أوجه : «أفّ» بفتح الفاء ، و «أفّ» بكسرها ، و «أفّ» ، و «أفّا» لك بالنّصب والتنوين على مذهب الدّعاء كما تقول : «ويلا» للكافرين ، و «أفّ» لك ، بالرّفع والتنوين ، وهو رفع باللام ، كقوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (٣) و «أفه» لك ، بالخفض والتنوين ، تشبيها بالأصوات ، كقولك : «صه» و «مه» ، و «أفها» لك ، على مذهب الدّعاء أيضا ، و «أفّي» لك ، على الإضافة إلى النّفس ، و «أف» لك ، بسكون الفاء تشبيها بالأدوات ، مثل : «كم» و «هل» و «بل» ، و «إف» لك ، بكسر الألف ، وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي ، قال : وتقول : «أف» منه ، و «أف» ، و «أف» ، و «أف» ، و «أفا» ، و «أفّ» ، و «أفّي» مضاف ، و «أفها» و «أفا» بالألف ، ولا تقل : «أفي» بالياء فإنه خطأ.
فأما معنى (أُفٍ) ففيه خمسة أقوال : أحدها : أنه وسخ الظّفر ، قاله الخليل. والثاني : وسخ الأذن ، قاله الأصمعيّ. والثالث : قلامة الظّفر ، قاله ثعلب. والرابع : أن «الأفّ» الاحتقار والاستصغار ، من «الأفف» ، والأفف عند العرب : القلّة ، ذكره ابن الأنباري. والخامس : أن «الأفّ» ما رفعته من الأرض من عود أو قصبة ، حكاه ابن فارس اللغوي. وقرأت على شيخنا أبي منصور قال : معنى «الأفّ» : النّتن ، والتّضجّر ، وأصلها : نفخك الشيء يسقط عليك من تراب ورماد ، وللمكان تريد إماطة الأذى عنه ، فقيلت لكلّ مستثقل ، قلت : وأما قولهم : «تف» ، فقد جعلها قوم بمعنى «أف» ، فروي عن
__________________
(١) سورة البقرة عند الآية : ٨٣.
(٢) سورة المائدة : ٧١.
(٣) سورة المطففين : ١.