قوله تعالى : (زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) وقرأ ابن مسعود ، والحسن ، والزّهريّ ، ويعقوب : «زهرة» بفتح الهاء. قال الزّجّاج : وهو منصوب بمعنى «متّعنا» ، لأنّ معنى «متّعنا» : جعلنا لهم الحياة الدنيا زهرة ، (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي : لنجعل ذلك فتنة لهم. وقال ابن قتيبة : لنختبرهم. قال المفسّرون : زهرة الدنيا : بهجتها وغضارتها وما يروق النّاظر منها عند رؤيته ، وهو من زهرة النبات وحسنه. قوله تعالى : (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) فيه قولان : أحدهما : أنه ثوابه في الآخرة. والثاني : القناعة.
قوله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) قال المفسّرون : المراد بأهله : قومه ومن كان على دينه ، ويدخل في هذا أهل بيته (١). قوله تعالى : (وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) أي : واصبر على الصّلاة (لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) أي : لا نكلفك رزقا لنفسك ولا لخلقنا ، إنما نأمرك بالعبادة ورزقك علينا ، (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) أي : وحسن العاقبة لأهل التّقوى. وكان بكر بن عبد الله المزنيّ إذا أصاب أهله خصاصة قال : قوموا فصلّوا ، ثم يقول : بهذا أمر الله تعالى ورسوله ، ويتلو هذه الآية.
(وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥))
قوله تعالى : (وَقالُوا) يعني : المشركين (لَوْ لا) أي : هلّا (يَأْتِينا) محمّد (بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) أي كآيات الأنبياء ، نحو النّاقة والعصا (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ) قرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم : «تأتهم» بالتاء. وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائيّ وأبو بكر عن عاصم : «يأتهم» بالياء.
قوله تعالى : (بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) أي : أولم يأتهم في القرآن بيان ما في الكتب من أخبار الأمم التي أهلكناها لمّا سألوا الآيات ثم كفروا بها ، فما يؤمّنهم أن تكون حالهم في سؤال الآيات كحال أولئك؟! (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ) يعني : مشركي مكّة (بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) في الهاء قولان : أحدهما : أنها ترجع إلى الكتاب ، قاله مقاتل. والثاني : إلى الرّسول ، قاله الفرّاء.
قوله تعالى : (لَقالُوا) يوم القيامة (رَبَّنا لَوْ لا) أي : هلّا (أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) يدعونا إلى طاعتك (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) أي : نعمل بمقتضاها (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَ) بالعذاب (وَنَخْزى) في جهنّم. وقرأ ابن عباس ، وابن السّميفع ، وأبو حاتم عن يعقوب : «نذلّ» «ونخزى» برفع النون فيهما ، وفتح الذال. (قُلْ) لهم يا محمّد : (كُلٌ) منّا ومنكم (مُتَرَبِّصٌ) أي : نحن نتربّص بكم العذاب في الدنيا ، وأنتم تتربّصون بنا الدّوائر (فَتَرَبَّصُوا) أي : فانتظروا (فَسَتَعْلَمُونَ) إذا جاء أمر الله (مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ) أي : الدّين المستقيم (وَمَنِ اهْتَدى) من الضّلالة ، أنحن ، أم أنتم؟ وقيل : هذه منسوخة بآية السّيف ، وليس بشيء.
__________________
(١) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ٢ / ٣٥٠ : ويؤدب الغلام على الطهارة والصلاة إذا تمت له عشر سنين. وهذا الأمر والتأديب في حق الصبي لتمرينه على الصلاة ، كي يألفها ويعتادها والأصل في ذلك قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «علّموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر».