الجنّة. قوله تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ) وقرأ أبو العالية ، وابن أبي عبلة ، وأبو جعفر : «تطوى» بتاء مضمومة «السماء» بالرفع ؛ وذلك بمحو رسومها ، وتكدير نجومها ، وتكوير شمسها ، (كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) قرأ الجمهور : «السّجلّ» بكسر السين والجيم وتشديد اللام. وقرأ الحسن ، وأبو المتوكّل ، وأبو الجوزاء ، ومحبوب عن أبي عمرو : «السّجل» بكسر السين وإسكان الجيم خفيفة. وقرأ أبو السّمّال كذلك ، إلّا أنه فتح الجيم. قوله تعالى : (لِلْكُتُبِ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : «للكتاب». وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم : «للكتب» على الجمع.
وفي السّجلّ أربعة أقوال (١) : أحدها : أنه ملك ، قاله عليّ بن أبي طالب ، وابن عمر ، والسّدّيّ.
(١٠٠٠) والثاني : أنه كاتب كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس.
والثالث : أنّ السّجلّ بمعنى : الرجل ، روى أبو الجوزاء عن ابن عباس ، قال : السّجل : هو الرجل. قال شيخنا أبو منصور اللغوي : وقد قيل : «السّجلّ» بلغة الحبشة : الرجل.
والرابع : أنه الصّحيفة. رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، والفرّاء وابن قتيبة. وقرأت على شيخنا أبي منصور ، قال : قال أبو بكر ، يعني ـ ابن دريد ـ : السّجلّ : الكتاب ، والله أعلم ؛ ولا ألتفت إلى قولهم : إنه فارسيّ معرّب ، والمعنى : كما يطوى السّجلّ على ما فيه من كتاب. و «اللام» بمعنى «على». وقال بعض العلماء : المراد بالكتاب : المكتوب ، فلمّا كان المكتوب ينطوي بانطواء
____________________________________
(١٠٠٠) باطل ، أخرجه أبو داود ٢٩٣٥ والنسائي ٣٥٥ والطبري ٢٤٨٤٩ والبيهقي ١٠ / ١٢٦ كلهم عن نوح بن قيس عن يزيد بن كعب عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس به. وهذا إسناد ضعيف يزيد بن كعب مجهول ، قال الذهبي في «الميزان» لا يدرى من ذا أصلا. وأبو الجوزاء أوس بن عبد الله ثقة لكنه يرسل كثيرا ، ولم يصرّح بسماع أو تحديث. وأخرجه ابن عدي ٧ / ٦٦٢ والبيهقي ١٠ / ١٢٦ والطبراني ٢ / ١٧٠ ح ١٢٧٩٠ من طريق يحيى بن عمرو بن مالك عن أبيه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ، وإسناده ضعيف جدا.
لأجل يحيى بن عمرو ، فقد كذبه حماد بن زيد. وأخرجه النسائي ٣٥٦ عن نوح عن عمر بن مالك به ، وهو منقطع بين نوح وعمرو ، ولعل نوحا أسقطه عمدا. وبكل حال الخبر واه جدا وليس بشيء. أخرجه الخطيب ٨ / ١٧٥ من حديث حمدان بن سعيد عن عبد الله بن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر به. وهذا خير باطل لا أصل له ، والحمل فيه على حمدان بن سعيد ، فقد اتهمه الذهبي بهذا الحديث ، فقال : أتى بخبر كذب اه.
ومما يدل على أنه كذب هو كون من فوقه رجال البخاري ومسلم. فلو كان هذا الحديث عن نافع أو عبيد الله لرواه مالك والبخاري وغيرهم من الأئمة. لكنه إسناد مصنوع مركب. وقد حكم بوضع هذا الحديث كل من الإمام المزي والذهبي وابن كثير وسبقهم الطبري. وليس في الصحابة من اسمه «السجل» وإن أورده أبو نعيم وابن مندة فإنهما يرويان الموضوع وكتبهما مشحونة بذلك ، وممن حكم بوضعه شيخ الإسلام ابن تيمية ، ووافقه الإمام ابن القيم. راجع عون المعبود ٨ / ١٥٤ وتفسير ابن كثير ٣ / ٢٥٢ و «تفسير الشوكاني» ١٦٤٧ و ١٦٤٨ و ١٦٤٩ بتخريجنا.
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ٩٥ : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب : قول من قال : السّجل في هذا الموضع : الصحيفة ، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، ولا يعرف لنبينا كاتب كان اسمه السجل ، ولا في الملائكة ملك ذلك اسمه. وكتّاب النبي صلىاللهعليهوسلم كانوا معروفين. ووافقه ابن كثير وقال : وقد صدق رحمهالله في ذلك ، وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث.