أعتقه من الجبابرة ، فلم يظهر عليه جبّار قطّ» وهذا قول مجاهد ، وقتادة.
والثاني : أنّ معنى العتيق : القديم ، قاله الحسن ، وابن زيد. والثالث : لأنه لم يملك قطّ ، قاله مجاهد في رواية ، وسفيان بن عيينة. والرابع : لأنه أعتق من الغرق زمان الطّوفان ، قاله ابن السّائب ، وقد تكلّمنا في هذه السّورة في «ليقضوا» «وليوفوا» «وليطوفوا».
(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣))
قوله تعالى : (ذلِكَ) أي : الأمر ذلك ، يعني : ما ذكر من أعمال الحجّ (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ) فيجتنب ما حرّم الله عليه في الإحرام تعظيما لأمر الله. قال الليث : الحرمة : ما لا يحلّ انتهاكه. وقال الزّجّاج : الحرمة : ما وجب القيام به ، وحرم التّفريط فيه. قوله تعالى : (فَهُوَ) يعني : التّعظيم (خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) في الآخرة (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ) وقد سبق بيانها (١) (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) تحريمه ، يعني به : ما ذكر في سورة المائدة من المنخنقة وغيرها. وقيل : وأحلت لكم الأنعام في حال إحرامكم ، إلّا ما يتلى عليكم في الصّيد ، فإنه حرام. قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ) أي : دعوه جانبا ، قال الزّجّاج : و «من» ها هنا ، لتخليص جنس من الأجناس ، المعنى : فاجتنبوا الرّجس الذي هو وثن. وقد شرحنا معنى الرّجس في المائدة (٢). وفي المراد بقول الزّور أربعة أقوال : أحدها : شهادة الزور ، قال ابن مسعود. والثاني : الكذب ، قاله مجاهد. والثالث : الشّرك ، قاله أبو مالك. والرابع : أنه قول المشركين في الأنعام : هذا حلال ، وهذا حرام ، قاله الزّجّاج ، قال : وقوله تعالى : (حُنَفاءَ لِلَّهِ) منصوب على الحال ، وتأويله : مسلمين لا ينسبون إلى دين غير الإسلام. ثم ضرب الله مثلا للمشرك ، فقال ؛ (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) إلى قوله تعالى : (سَحِيقٍ) ، والسّحيق : البعيد.
واختلفوا في قراءة «فتخطفه» فقرأ الجمهور : «فتخطفه» بسكون الخاء من غير تشديد الطاء. وقرأ نافع : بتشديد الطاء ، وقرأ أبو المتوكّل ، ومعاذ القارئ : بفتح التاء والخاء وتشديد الطاء ونصب الفاء. وقرأ أبو رزين ، وأبو الجوزاء ، وأبو عمران الجوني : بكسر التاء والخاء وتشديد الطاء ورفع الفاء. وقرأ
____________________________________
وقد روي عن الزهري مرسلا. ومرسل الزهري أخرجه الطبري ٢٥١١٨ والمرفوع المتصل ضعيف ، لأن مداره على عبد الله بن صالح كاتب الليث ، وقع له مناكير بسبب جار له ، كان يدس في كتبه. كما قال العلماء ، راجع «الميزان». وذكر ابن كثير الاختلاف فيه ، فروي متصلا ومرسلا وموقوفا على ابن الزبير وموقوفا على مجاهد ، فالحديث ضعيف ، والأشبه أن يكون موقوفا ، ولو صح ما اختلفوا في سبب تسميته والله أعلم. وانظر «تفسير القرطبي» ٤٤١٨ بتخريجنا.
__________________
(١) في سورة المائدة : ١.
(٢) سورة المائدة : ٩٠.