(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦))
قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) قد شرحناه في سورة الأنعام (١).
قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) وهو عامّ فيما بين العبد وبين ربّه ، وفيما بينه وبين الناس. قال الزّجّاج : كلّ ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد.
قوله تعالى : (كانَ مَسْؤُلاً) قال ابن قتيبة : أي : مسؤولا عنه.
قوله تعالى : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ) أي : أتمّوه ولا تبخسوا منه. قوله تعالى : (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ) فيه خمس لغات : إحداها : «قسطاس» ، بضمّ القاف وسينين ، وهذه قراءة ابن كثير ، ونافع ، وأبي عمرو ، وابن عامر ، وأبي بكر عن عاصم ها هنا وفي سورة الشّعراء (٢). والثانية : كذلك ؛ إلّا أنّ القاف مكسورة ، وهذه قراءة حمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم. قال الفرّاء : هما لغتان والثالثة : «قصطاص» ، بصادين. والرابعة : «قصطاس» ، بصاد قبل الطاء وسين بعدها ، وهاتان مرويّتان عن حمزة. والخامسة : «قسطان» ، بالنون. قرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن دريد قال : القسطاس : الميزان ، روميّ معرّب ، «قسطاس» و «قسطاس». قوله تعالى : (ذلِكَ خَيْرٌ) أي : ذلك الوفاء خير عند الله وأقرب إليه ، (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) أي : عاقبة في الجزاء.
قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) قال الفرّاء : أصل «تقف» من القيافة ، وهي : تتبّع الأثر ، وفيه لغتان : قفا يقفو ، وقاف يقوف وأكثر القرّاء يجعلونها من «قفوت» فيحرك الفاء إلى الواو ويجزم القاف كما تقول : لا تدع ، وقرأ معاذ القارئ : «لا تقف» ، مثل : تقل ؛ والعرب تقول : قفت أثره ، وقفوت ، ومثله : عاث وعثا ، وقاع الجمل النّاقة ، وقعاها : إذا ركبها. قال الزّجّاج : من قرأ بإسكان الفاء وضمّ القاف من : قاف يقوف ، فكأنه مقلوب من قفا يقفو ، والمعنى واحد : تقول : قفوت الشيء أقفوه قفوا : إذا تبعت أثره. وقال ابن قتيبة : «لا تقف» ، أي : لا تتبعه الظّنون والحدس ، وهو من القفاء مأخوذ ، كأنك تقفو الأمور ، أي : تكون في أقفائها وأواخرها تتعقّبها ، والقائف : الذي يعرف الآثار ويتبعها فكأنه مقلوب عن القافي.
وللمفسّرين في المراد به أربعة أقوال : أحدها : لا ترم أحدا بما ليس لك به علم ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. والثاني : لا تقل : رأيت ، ولم تر ، ولا سمعت ، ولم تسمع. رواه عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس ، وبه قال قتادة. والثالث : لا تشرك بالله شيئا ، رواه عطاء أيضا عن ابن عباس. والرابع : لا تشهد بالزّور ، قاله محمّد بن الحنفيّة.
قوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ) قال الزّجّاج : إنما قال : (كُلُ) ، ثم قال : (كانَ) ، لأنّ كلّا في لفظ الواحد ، وإنما قال : (أُولئِكَ) لغير الناس ، لأنّ كلّ جمع أشرت إليه من
__________________
(١) سورة الأنعام : ١٥٢.
(٢) سورة الشعراء : ١٨٢.