لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ، وغرس غرسها بيده فقال لها : تكلّمي ، فقالت : قد أفلح المؤمنون ، فقال لها : طوبى لك منزل الملوك».
قال الفرّاء : «قد» ها هنا يجوز أن تكون تأكيدا لفلاح المؤمنين. ويجوز أن تكون تقريبا للماضي من الحال ، لأنّ «قد» تقرّب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه ، ألا تراهم يقولون : قد قامت الصّلاة ، قبل حال قيامها ، فيكون معنى الآية : إنّ الفلاح قد حصل لهم وإنهم عليه في الحال. وقرأ أبيّ بن كعب ، وعكرمة ، وعاصم الجحدريّ ، وطلحة بن مصرف : «قد أفلح» بضمّ الألف وكسر اللام وفتح الحاء ، على ما لم يسمّ فاعله. قال الزّجّاج : ومعنى الآية : قد نال المؤمنون البقاء الدائم في الخير. ومن قرأ : «قد أفلح» بضمّ الألف ، كان معناه : قد أصيروا إلى الفلاح. وأصل الخشوع في اللغة : الخضوع والتّواضع. وفي المراد بالخشوع في الصّلاة أربعة أقوال : (١) أحدها : أنه النّظر إلى موضع السّجود.
(١٠١٤) روى أبو هريرة قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا صلّى رفع بصره إلى السماء ، فنزلت : «الذين هم في صلاتهم خاشعون» فنكس رأسه. وإلى هذا المعنى ذهب مسلم بن يسار ، وقتادة. والثاني : أنه ترك الالتفات في الصّلاة ، وأن تلين كنفك للرجل المسلم ، قاله عليّ بن أبي طالب.
____________________________________
وقال المنذري في «الترغيب والترهيب» ٥٤٦٨ : رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسنادين أحدهما جيد. وتبعه على ذلك الهيثمي في «المجمع» ١٨٦٣٩ ، وأما ابن كثير ـ رحمهالله ـ فأعلّه بضعف رواية بقية عن الحجازيين والمعروف أن إسماعيل بن عياش هو الذي بهذه الصفة ، وإنما علّة الحديث هي أن بقية مدلس ، وقد عنعن ، قال أحمد : توهمت أن بقية ، لا يحدث المناكير إلا عن المجاهيل ، فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير. وللحديث علة أخرى ابن جريج أيضا مدلس ، وقد عنعن ، لكن الحمل فيه على بقية أولى. والله أعلم.
تنبيه : وقع في الأوسط تصريح بقية بالتحديث ، وهو خطأ من شيخ الطبراني أو من هشام بن خالد فإنه كان يجعل ما رواه بقية ب «عن» «حدثنا» توهما ، راجع ذلك في الميزان ، وانظر «تفسير ابن كثير» ٣ / ٢٩٩ والشوكاني ١٦٨٩ بتخريجنا.
(١٠١٤) ضعيف. أخرجه الحاكم ٢ / ٣٩٣ والواحدي في «أسباب النزول» ٦٢٦ كلاهما عن ابن سيرين عن أبي هريرة ، وهو حديث ضعيف. ففي الإسناد أبو شعيب الحراني عن أبيه ، ولم أجد لهما ترجمة. وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين لو لا خلاف فيه على محمد ، فقد قيل عنه مرسلا. وصوب الذهبي الإرسال ، وهو كما قال كذا رواه الثقات عند الطبري ، ومع ذلك لا يصح رفعه. فقد أخرجه الطبري عن ابن سيرين قال : كان أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ... ليس فيه ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فالصواب موقوف. وأخرجه الطبري ٢٥٤١٤ بسند صحيح عن ابن سيرين مرسلا ، والمرسل من قسم الضعيف. وكرره ٢٥٤١٦ من وجه آخر عن ابن سيرين قال : نبئت أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ... وهذا ضعيف لجهالة المنبئ لابن سيرين. وانظر «أحكام القرآن» ١٥٢٣ ، و «تفسير الشوكاني» ١٦٩٣ ، والله الموفق.
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله ٩ / ١٩٨ : الخشوع : التذلل والخضوع ، ولم يكن الله تعالى ذكره دلّ على أن مراده من ذلك معنى دون معنى في عقل ولا خبر ، فكان معلوما أن معنى مراده من ذلك العموم ، وتأويل الكلام على ذلك أنه : والذين هم في صلاتهم متذللون لله بإدامة ما ألزمهم من فرضه وعبادته ، وإذا تذلل لله فيها العبد رؤيت ذلة خضوعه في سكون أطرافه ، وشغله بفرضه وتركه ما أمر بتركه فيها.