الرّسول الصّابر ليتأسّى به في صبره ، وليعلم أنّ الرّسل قبله قد كذّبوا.
قوله تعالى : (يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) أي : يعلوكم بالفضيلة ، فيصير متبوعا ، (وَلَوْ شاءَ اللهُ) أن لا يعبد شيء سواه (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) تبلّغ عنه أمره ، لم يرسل بشرا (ما سَمِعْنا بِهذا) الذي يدعونا إليه نوح من التّوحيد (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ). فأمّا الجنّة فمعناها : الجنون.
وفي قوله : (حَتَّى حِينٍ) قولان : أحدهما : أنه الموت ، فتقديره : انتظروا موته. والثاني : أنه وقت منكّر. قوله تعالى : (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي) وقرأ عكرمة ، وابن محيصن : «قال ربّ» بضمّ الباء ، وفي القصّة الأخرى. قوله تعالى : (بِما كَذَّبُونِ) وقرأ يعقوب : «كذّبوني» بياء ، وفي القصة التي تليها أيضا : «فاتقوني» «أن يحضروني» «ربّ ارجعوني» «ولا تكلّموني» أثبتهنّ في الحالين يعقوب ، والمعنى : انصرني بتكذيبهم ، أي : انصرني بإهلاكهم جزاء لهم بتكذيبهم. (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) قد شرحناه في هود (١) إلى قوله : (فَاسْلُكْ فِيها) أي : أدخل في سفينتك (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ ، وأبو بكر عن عاصم : «من كلّ» بكسر اللام من غير تنوين. وقرأ حفص عن عاصم : (مِنْ كُلٍ) بالتنوين. قال أبو عليّ : قراءة الجمهور إضافة «كلّ» إلى «زوجين» وقراءة حفص تؤول إلى زوجين ، لأنّ المعنى : من كلّ الأزواج زوجين. قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم : «منزلا» بضمّ الميم. وروى أبو بكر عن عاصم فتحها. والمنزل ، بفتح الميم : اسم لكلّ ما نزلت به ، والمنزل ، بضمّها : المصدر : بمعنى الإنزال ، تقول : أنزلته إنزالا ومنزلا. وفي الوقت الذي قال فيه نوح ذاك قولان : أحدهما : عند نزوله في السفينة. والثاني : عند نزوله من السفينة.
قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : في قصة نوح وقومه (لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا) أي : وما كنّا (لَمُبْتَلِينَ) أي : لمختبرين إيّاهم بإرسال نوح إليهم. (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) يعني عادا (فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) وهو هود ، هذا قول الأكثرين ؛ وقال أبو سليمان الدّمشقي : هم ثمود ، والرسول صالح. وما بعد هذا ظاهر إلى قوله : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ) قال الزّجّاج : موضع «أنّكم» نصب على معنى : أيعدكم أنّكم مخرجون إذا متّم فلمّا طال الكلام أعيد ذكر «أنّ» كقوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) (٢).
قوله تعالى : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ) بفتح التاء فيهما في الوصل ، وإسكانها في الوقف. وقرأ أبيّ بن كعب ، وأبو مجلز ، وهارون عن أبي عمرو : «هيهاتا هيهاتا» بالنّصب والتنوين. وقرأ ابن مسعود ، وعاصم الجحدريّ ، وأبو حيوة الحضرميّ ، وابن السّميفع : «هيهات هيهات» بالرفع والتنوين. وقرأ أبو العالية ، وقتادة : «هيهات هيهات» بالخفض والتنوين. وقرأ أبو جعفر : «هيهات هيهات» بالخفض من غير تنوين ، وكان يقف بالهاء. وقرأ أبو المتوكّل النّاجي ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة : «هيهات هيهات» بالرفع من غير تنوين ، وقرأ معاذ القارئ ، وابن يعمر ، وأبو رجاء ، وخارجة عن أبي عمرو : «هيهات هيهات»
__________________
(١) سورة هود : ٣٧.
(٢) سورة التوبة : ٦٣.