الإمام وإن لم يطالب المقذوف.
قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) أي : من القذف (وَأَصْلَحُوا) قال ابن عباس : أظهروا التّوبة ؛ وقال غيره : لم يعودوا إلى قذف المحصنات ، وفي هذا الاستثناء قولان : أحدهما : أنه نسخ حدّ القذف وإسقاط الشّهادة معا ، وهذا قول عكرمة ، والشّعبيّ ، وطاوس ، ومجاهد ، والقاسم بن محمّد ، والزّهري ، والشّافعيّ ، وأحمد. والثاني : أنه يعود إلى الفسق فقط ، وأمّا الشّهادة ، فلا تقبل أبدا ، قاله الحسن ، وشريح ، وإبراهيم ، وقتادة. فعلى هذا القول انقطع الكلام عند قوله : «أبدا» ؛ وعلى القول الأول وقع الاستثناء على جميع الكلام ، وهذا أصحّ ، لأنّ المتكلّم بالفاحشة لا يكون جرما من راكبها ، فإذا قبلت شهادة المقذوف بعد ثبوته ، فالرّامي أيسر جرما ، وليس القاذف بأشدّ جرما من الكافر ، فإنه إذا أسلم قبلت شهادته.
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠))
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ).
(١٠٢٤) سبب نزولها أنّ هلال بن أميّة وجد عند أهله رجلا ، فرأى بعينه وسمع بأذنه ، فلم يهجه حتى أصبح ، فغدا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله : إنّي جئت أهلي ، فوجدت عندها رجلا ، فرأيت بعيني وسمعت بأذني ، فكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما جاء به ، واشتدّ عليه ، فقال سعد بن عبادة : الآن يضرب رسول الله هلالا ويبطل شهادته ، فقال هلال : والله إنّي لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا ، فو الله إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي ، فنزلت هذه الآية ، رواه عكرمة عن ابن عباس.
(١٠٢٥) وفي حديث آخر ، أنّ الرجل الذي قذفها به شريك بن سحماء ، وأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال
____________________________________
(١٠٢٤) أخرجه أحمد ١ / ٢٣٨ والطبري ٢٥٨٢٨ من طريق عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس. وإسناده ضعيف لأجل عباد بن منصور ، لكن أصله محفوظ ، أخرجه البخاري وغيره. وانظر ما بعده وانظر «أحكام القرآن» ١٥٥٥.
(١٠٢٥) صحيح. أخرجه البخاري ٢٦٧١ و ٤٧٤٧ وأبو داود ٢٢٥٤ والترمذي ٣١٧٩ وابن ماجة ٢٠٦٧ والبيهقي ٧ / ٣٩٣ والبغوي ٢٣٧٠ كلهم من حديث ابن عباس ، أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلىاللهعليهوسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «البينة أو حدّ في ظهرك» فقال : يا رسول الله ، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «البينة وإلا حد في ظهرك». فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد. فنزل جبريل وأنزل عليه (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) فقرأ حتى بلغ (إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ، فانصرف النبي صلىاللهعليهوسلم فأرسل إليها. فجاء هلال فشهد. والنبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الله يعلم أن أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب؟» ثم قامت فشهدت ، فلما كانت عند الخامسة وقّفوها وقالوا : إنها موجبة.
قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت. فقال