قوله تعالى : (ذلِكَ) إشارة إلى الغضّ وحفظ الفروج (أَزْكى لَهُمْ) أي ؛ خير وأفضل (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) في الأبصار والفروج. ثم أمر النساء بما أمر به الرجال.
قوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) أي : لا يظهرنها لغير محرم. وزينتهنّ على ضربين : خفيّة كالسّوارين والقرطين والدّملج والقلائد ونحو ذلك ، وظاهر وهي المشار إليها بقوله تعالى : (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) وفي سبعة أقوال (١) : أحدها : أنها الثياب ، رواه أبو الأحوص عن ابن مسعود ؛ وفي لفظ آخر قال ؛ هو الرّداء. والثاني : أنها الأكفّ ، والخاتم والوجه. والثالث : الكحل والخاتم ، رواهما سعيد بن جبير عن ابن عباس. والرابع : القلبان ، وهما السّواران والخاتم والكحل ، قاله المسور بن مخرمة. والخامس : الكحل والخاتم والخضاب ، قاله مجاهد. والسادس : الخاتم والسّوار ، قاله الحسن. والسابع : الوجه والكفّان ، قاله الضّحّاك. قال القاضي أبو يعلى : والقول الأوّل أشبه ، وقد نصّ عليه أحمد ، فقال : الزّينة الظاهرة : الثياب ، وكلّ شيء منها عورة حتى الظّفر (٢) ، ويفيد هذا تحريم النّظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر ، مثل أن يريد أن يتزوّجها أو يشهد عليها ، فإنه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصّة ؛ فأما النّظر إليها لغير عذر ، فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها (٣) ، وسواء في ذلك الوجه والكفّان وغيرهما من البدن. فإن قيل : فلم لا تبطل الصلاة بكشف وجهها؟! فالجواب : أنّ في تغطيته مشقّة ، فعفي عنه (٤).
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله في في «تفسيره» : وأولى هذه الأقوال بالصواب : قول من قال : عني بذلك الوجه والكفان.
(٢) جاء في «المغني» ٢ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨ : وقال بعض أصحابنا : المرأة كلها عورة ، لأنه قد روي في حديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «المرأة عورة» ، رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح. لكن رخّص لها في كشف وجهها وكفيها ، لما في تغطيته من المشقة ، وأبيح النظر إليه لأجل الخطبة ، لأنه مجمع المحاسن. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : المرأة كلها عورة حتى ظفرها لما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «المرأة عورة».
وهذا عام يقتضي وجوب ستر جميع بدنها وترك الوجه للحاجة ، ففيما عداه يبقى على الدليل.
(٣) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ٩ / ٤٨٩ : لا نعلم بين أهل العلم خلافا في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها ولا خلاف في إباحة النظر إلى وجهها ، وذلك لأنه ليس بعورة وهو مجمع المحاسن ، وموضع النظر ، ولا يباح له النظر إلى ما لا يظهر عادة. ولا بأس بالنظر إليها بإذنها أو غير إذنها ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا خطب أحدكم المرأة ، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها ، فليفعل» وقد أمر بالنظر وأطلق. ولا يجوز له الخلوة بها ، لأنها محرّمة ، ولم يرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم ، ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور ، ولا ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة ، ولا لريبة ، قال أحمد ، في رواية صالح : ينظر إلى الوجه ، ولا يكون عن طريق لذة. وله أن يردد النظر إليها ، ويتأمل محاسنها ، لأن المقصود لا يحصل إلا بذلك. فأما ما يظهر غالبا سوى الوجه ، كالكفين والقدمين ونحو ذلك ، مما تظهره المرأة في منزلها ففيه روايتان : إحداهما : لا يباح النظر إليه ، لأنه عورة ، فلم يبح النظر إليه كالذي لا يظهر ولأن الحاجة تندفع بالنظر إلى الوجه فيبقى ما عداه على التحريم. والثانية : له النظر إلى ذلك. وإلى ما يدعو إلى نكاحها ، من يد أو جسم ونحو ذلك.
قال أبو بكر : لا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة. وقال الشافعي : فينظر إلى الوجه والكفين.
(٤) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ٢ / ٣٢٨ : لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة ولا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم. وفي الكفين روايتان : إحداهما : يجوز كشفهما. وهو قول مالك