البيوت ، ثم نسخت منها البيوت التي ليس لها أهل يستأذنون بقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) ، هذا مرويّ عن الحسن ، وعكرمة. والثاني : أنّ الآيتين محكمتان ، فالاستئذان شرط في الأولى إذا كان للدار أهل ، والثانية وردت في بيوت لا ساكن لها ، والإذن لا يتصوّر من غير آذن ، فإذا بطل الاستئذان ، لم تكن البيوت الخالية داخلة في الأولى ، وهذا أصحّ.
قوله تعالى : (أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) فيها خمسة أقوال (١) : أحدها : أنها الخانات والبيوت المبنيّة للسّابلة ليأووا إليها ، ويؤووا أمتعتهم ، قاله قتادة. والثاني : أنها البيوت الخربة ، والمتاع : قضاء الحاجة فيها من الغائط والبول ، قاله عطاء. والثالث : أنها بيوت مكّة ، قاله محمّد بن الحنفيّة. والرابع : حوانيت التّجّار التي بالأسواق ، قاله ابن زيد. والخامس : أنها جميع البيوت التي لا ساكن لها ، لأنّ الاستئذان إنما جعل لأجل السّاكن ، قاله ابن جريج. فيخرّج في معنى «المتاع» ثلاثة أقوال : أحدها : الأمتعة التي تباع وتشترى. والثاني : إلقاء الأذى من الغائط والبول. والثالث : الانتفاع بالبيوت لاتّقاء الحرّ والبرد.
(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١))
قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) في «من» قولان : أحدهما : أنها صلة. والثاني : أنها أصل ، لأنهم لم يؤمروا بالغضّ مطلقا ، وإنما أمروا بالغضّ عمّا لا يحلّ.
وفي قوله تعالى : (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) قولان : أحدهما : عمّا لا يحلّ لهم ، قاله الجمهور. والثاني : عن أن ترى ، فهو أمر لهم بالاستتار ، قاله أبو العالية ، وابن زيد.
__________________
فيشق ذلك على الرجل ، فغير الله ذلك كله ، في ستر وعفة ، وجعله نقيا نزها من الدنس والقذر والدرن ، وهذا الذي قاله مقاتل حسن. ولهذا قال : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) يعني الاستئذان خير لكم ، بمعنى هو خير للطرفين : للمستأذن ولأهل البيت (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
(١) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ٣٠١ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله عمّ بقوله (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) كل بيت لا ساكن فيه ولا مالك له ، من بيت خراب قد باد أهله ولا ساكن فيه لمتاع له يؤويه إليه ، أو لقضاء حقه.
وأما بيوت التجار ، فإنه ليس لأحد دخولها إلا بإذن أربابها وسكانها ، فإن ظن ظان أن التاجر إذا فتح دكانه وقعد للناس ، فقد أذن لمن أراد الدخول عليه في دخوله ، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن ، وإن كان التاجر قد عرف منه أن فتحه حانوته إذن لمن أراد دخوله في الدخول ، فذلك بعد راجع إلى ما قلنا. من أنه لم يدخله من دخله إلا بإذنه. فتبين أنه مما عنى الله من هذه الآية بمعزل.