عليه منزله ، ونسبها إليهم لأنهم سكّانها. والثالث : أنها بيوتهم ، والمراد أكلهم من مال عيالهم وأزواجهم ، لأنّ بيت المرأة كبيت الرجل. وإنما أباح الأكل من بيوت القرابات المذكورين ، لجريان العادة ببذل طعامهم لهم ؛ فإن كان الطعام وراء حرز ، لم يجز هتك الحرز.
قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الوكيل ، لا بأس أن يأكل اليسير ، وهو معنى قول ابن عباس. وقرأها سعيد بن جبير ، وأبو العالية : «ما ملّكتم» بضمّ الميم وتشديد اللام مع كسرها على ما لم يسمّ فاعله ، وفسّرها سعيد فقال : يعني القهرمان الذي بيده المفاتيح. وقرأ أنس بن مالك ، وقتادة ، وابن يعمر : «مفتاحه» بكسر الميم على التّوحيد. والثاني : بيت الإنسان الذي يملكه ، وهو معنى قول قتادة. والثالث : بيوت العبيد ، قاله الضّحّاك.
قوله تعالى : (أَوْ صَدِيقِكُمْ). قال ابن عباس :
(١٠٤٤) نزلت هذه في الحارث بن عمرو ، خرج مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم غازيا ، وخلّف خالد بن زيد على أهله ، فلمّا رجع وجده مجهودا ، فقال : تحرّجت أن آكل من طعامك بغير إذنك ، فنزلت هذه الآية. وكان الحسن وقتادة يريان الأكل من طعام الصّديق بغير استئذان جائزا.
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً) في سبب نزول هذا ثلاثة أقوال (١) :
(١٠٤٥) أحدها : أنّ حيّا من بني كنانة يقال لهم : بنو ليث كانوا يتحرّجون أن يأكل الرجل الطعام وحده ، فربّما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصّباح إلى الرّواح ، فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة والضّحّاك.
والثاني : أنّ قوما من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلّا مع ضيفهم ، فنزلت هذه الآية ، ورخّص لهم أن يأكلوا جميعا أو أشتاتا ، قاله عكرمة (٢). والثالث : أنّ المسلمين كانوا يتحرّجون من مؤاكلة أهل الضّرّ خوفا من أن يستأثروا عليهم ، ومن الاجتماع على الطّعام ، لاختلاف الناس في مآكلهم وزيادة بعضهم على بعض ، فوسّع عليهم ، وقيل : «ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا» أي : مجتمعين «أو أشتاتا» أي : متفرّقين ، قاله ابن قتيبة.
____________________________________
(١٠٤٤) ذكره السيوطي في «أسباب النزول» ٨٠٧ وقال : أخرجه الثعلبي في «تفسيره» عن ابن عباس ، ولم أقف على إسناده ، وتفرّد الثعلبي به دليل وهنه.
(١٠٤٥) ضعيف. أخرجه الطبري ٢٦٢٣٧ عن قتادة مرسلا و ٢٦٢٣٥ عن الضحاك مرسلا ، والمرسل من قسم الضعيف. ولا يصح في سبب نزول هذه الآية خبرا ، وإنما ذكرت على سبيل الإرشاد والإباحة. وانظر «أحكام القرآن» ٣ / ٤٢٥ بتخريجنا.
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ٣٥٥ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله وضع الحرج عن المسلمين ، أن يأكلوا جميعا معا إذا شاءوا ، أو أشتاتا متفرقين إذا أرادوا ، وجائز أن يكون ذلك نزل بسبب من كان يتخوف من الأغنياء الأكل مع الفقير وبسبب غير ذلك ، ولا خبر بشيء من ذلك يقطع العذر ، ولا دلالة في ظاهر التنزيل على حقيقة شيء منه. والصواب التسليم لما دل عليه ظاهر التنزيل ، والتوقف فيما لم يكن على صحته دليل.
(٢) ضعيف. أخرجه الطبري ٢٦٢٣٨ عن عكرمة مرسلا ، فهو ضعيف.