قوله تعالى : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً) فيها ثلاثة أقوال (١) : أحدها : أنها بيوت أنفسكم ، فسلّموا على أهاليكم وعيالكم ، قاله جابر بن عبد الله ، وطاوس ، وقتادة. والثاني : أنها المساجد ، فسلّموا على من فيها ، قاله ابن عباس. والثالث : بيوت الغير ، فالمعنى : إذا دخلتم بيوت غيركم فسلّموا عليهم ، قاله الحسن. قوله تعالى : (تَحِيَّةً) قال الزّجّاج : هي منصوبة على المصدر ، لأنّ قوله : (فَسَلِّمُوا) بمعنى : فحيّوا وليحيّ بعضكم بعضا تحيّة ، (مِنْ عِنْدِ اللهِ) قال مقاتل : (مُبارَكَةً) بالأجر ، (طَيِّبَةً) أي : حسنة.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢))
قوله تعالى : (وَإِذا كانُوا مَعَهُ) يعني : مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم (عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) أي : على أمر طاعة يجتمعون عليها ، نحو الجهاد والجمعة والعيد ونحو ذلك (لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ).
(١٠٤٦) قال المفسّرون : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة ، وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر ، لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث يراه ، فيعرف أنه إنما قام ليستأذن ، فيأذن لمن شاء منهم ، فالأمر إليه في ذلك. قال مجاهد : وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده.
قوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ) أي : لخروجهم عن الجماعة إن رأيت لهم عذرا.
(لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٤))
قوله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ) فيه ثلاثة أقوال (٢) : أحدها : أنه نهي عن التّعرّض
____________________________________
(١٠٤٦) ذكره الواحدي في «الوسيط» ٣ / ٣٣١ نقلا عن المفسّرين ، ولم أقف على إسناده فهو مما لا أصل له ، والمراد في ذلك الجهاد ، ويدخل في ذلك كل أمر جامع ، لكن سياق الآيات وسباقها يشير إلى الجهاد.
وانظر تفسير الطبري ٢٦٢٥٧ و ٢٦٢٥٨ و ٢٦٢٥٩.
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ٣٥٨ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال معناه : فإذا دخلتم بيوتا من بيوت المسلمين ، فليسلم بعضكم على بعض. (تَحِيَّةً) بمعنى : تحيّون أنفسكم تحية من عند الله السلام تحية ، فكأنه قال : فليحيي بعضكم بعضا تحية من عند الله.
(٢) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ٣٦٠ : وأولى التأولين في ذلك بالصواب عندي التأويل الذي قاله ابن عباس ، وذلك أن الذي قبل قوله (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) نهي من الله