يدعونهم آلهة. وقد فسّرنا معنى «الوسيلة» في المائدة (١).
وفي قوله تعالى : (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) قولان : ذكرهما الزّجّاج. أحدهما : أن يكون «أيهم» مرفوعا بالابتداء ، وخبره أقرب ويكون المعنى : يطلبون الوسيلة إلى ربهم ينظرون أيهم أقرب إليه فيتوسّلون إلى الله به. والثاني : أن يكون «أيهم أقرب» بدلا من الواو في «يبتغون» ، فيكون المعنى : يبتغي أيّهم هو أقرب الوسيلة إلى الله ، أي : يتقرّب إليه بالعمل الصّالح.
(وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨))
قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها) «إن» بمعنى «ما» ، والقرية الصّالحة هلاكها بالموت ، والعاصية بالعذاب ، والكتاب : اللوح المحفوظ ، والمسطور : المكتوب.
(وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩))
قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) في سبب نزولها قولان :
(٩٠١) أحدهما : أنّ أهل مكّة سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يجعل لهم الصّفا ذهبا ، وأن ينحّي عنهم الجبال فيزرعوا ، فقيل له : إن شئت أن تستأني بهم لعلّنا نجتبي منهم ، وإن شئت نؤتيهم الذي سألوا ، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من كان قبلهم ، قال : «لا ، بل أستأني» ، فنزلت هذه الآية ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني : قد ذكرناه عن الزّبير في قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) (٢) ، ومعنى الآية : وما منعنا إرسال الآيات التي سألوها إلّا تكذيب الأوّلين ، يعني أنّ هؤلاء سألوا الآيات التي استوجب بتكذيبها الأوّلون العذاب ، فلم يرسلها لئلّا يكذّب بها هؤلاء ، فيهلكوا كما هلك أولئك ، وسنّة الله في الأمم أنهم إذا سألوا الآيات ثم كذّبوا بها عذّبهم.
قوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) قال ابن قتيبة : أي : بيّنة ، يريد : مبصرا بها. قال ابن الأنباري : ويجوز أن تكون مبصرة ، ويصلح أن يكون المعنى : مبصر مشاهدوها ، فنسب إليها فعل غيرها تجوّزا ، كما يقال : لا أرينّك ها هنا ، فأدخل حرف النّهي على غير المنهيّ عنه ، إذ المعنى : لا تحضر
____________________________________
(٩٠١) أخرجه النسائي في «التفسير» ٣١٠ وأحمد ١ / ٢٥٨ والطبري ٢٢٣٩٨ والحاكم ٢ / ٣٦٢ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٣٧١ والواحدي في «أسباب النزول» ٥٧٩ من طرق عن جرير عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به ، وإسناده صحيح. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي. وأخرجه البزار ٢٢٢٤ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٢٧٢ من حديث سلمة بن كهيل عن عمران السلمي عن ابن عباس به. وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٥٠ وقال : ورجال الروايتين رجال الصحيح. وصححه أحمد شاكر في «المسند» ٢٣٣٣.
__________________
(١) سورة المائدة : ٣٥.
(٢) سورة الرعد : ٣١.